المهدي المنجرة في ذكراه الأولى … العبقرية المغربية ها هنا 

المهدي المنجرة

بقلم أيو بوغضن

في الذكرى الأولى لرحيل الكبير المهدي المنجرة (رحمه الله)، يحسن بنا الوقوف عند شذرات من مواقفه و أفكاره تعكس بحق العبقرية المغربية في أجلى تجلياتها.

المهدي المنجرة، قبل أن يكون له موقف أو يصوغ فكرة، هو كفاءة مغربية عز لها نظير. يكفي أنه ساهم مؤلفات تُدرس في جامعات الدول المتقدمة؛ كتابه (نظام الأمم المتحدة) الصادر سنة 1973 يُدرس في جامعات الدول الأنجلوساكسونية كما أنه ساهم في كتاب (تاريخ اليابان) الذي يُدرس لطلبة المستوى الإعدادي في اليابان.

المهدي المنجرة  رمز للعبقرية المغربية؛ إذ يحوي تراثه الفكري مقاربات بإمكان كل الأطياف السياسية و الحساسيات الثقافية و الحركات الاجتماعية  الوطنية أن تجد ذاتها فيها.

التيار القومي و اليساري الوطني، لا شك أن تنديد ذ.المنجرة المستمر –بشكل علمي  يستند إلى حقائق و معطيات موثقة- بالاستعمار الجديد و فضحه للتخاذل العربي في دعم النضال الفلسطيني من أجل التحرر من ربقة الاحتلال الصهيوني و دفاعه المستميت عن الحريات و حقوق الإنسان و شجبه الدائم للفوارق الشاسعة بين الفقراء و الأغنياء و دعوته المستمرة للاتحاد و التواصل بين دول العالم العربي و مناداته بالوحدة على المستوى المغاربي على الأقل .. لا شك أن كل هذه  التوجهات الوحدوية و الملتفتة للمسألة الاجتماعية و القضايا القومية و التحررية و الحقوقية تجد صدى واسعا داخل التيار القومي و اليساري الوطني. و لا غرابة، إذن، أن نجد أحد رموز هذا التيار، الدكتور أحمد ويحمان، يهدي كتابه (العزوف السياسي بالمغرب) الذي صدر 2007 للمثقف الأصيل المهدي المنجرة.

الحركة الأمازيغية الوطنية، لا يمكن لها –كذلك- إلا أن تنظر بعين الرضا و التقدير لمثقف كبير كان له قصب السبق ضمن طائفة المثقفين في الدعوة إلى الاهتمام باللغة الأمازيغية، منذ سنة 1976، معتبرا حرمان الطفل من اللغة الأم التي يسمعها في بطن أمه من باب الحرام. و المهم عند البروفسور المهدي –في المسألة اللغوية- هو أن تكون اللغة الوطنية هي رافعة التنمية، كما جاء في كتابه (الإهانة في عهد الميغا-امبريالية)، إما أن تكون العربية أو الأمازيغية أو هما معا فالباقي كله تفاصيل على حد  تعبيره؛ ما يعني أن موقفه ليس متصلبا بل فيه جرعات كبيرة من المرونة تُسهل إمكانية التفاهم و الحوار و النقاش العلمي مع  أبناء الوطن في الحركة الأمازيغية. لكن الذي يرفضه ذ.المهدي بإطلاق هي نزوعات صهينة المسألة الأمازيغية و تحويلها إلى حصان طراودة لتمزيق النسيج الوطني و الهرولة إلى التطبيع مع الكيان الصهيوني. 

أما دفاع صاحب (قيمة القيم) عن مركزية القيم في معادلة النهوض و اعتزازه العميق بالأصالة و الهوية و الحضارة الإسلامية و شجبه القوي للانسلاخ الفكري و الاستلاب الثقافي و انتماؤه المعلن في كتاب (الإهانة في عهد الميغا-امبريالية.ص: 223– 224) إلى السلفية التحررية النهضوية ( سلفية: محمد عبده و رشيد رضا و علال الفاسي و المختار السوسي..) و تحيزه الساطع لصف –نعته في كتاب (الإهانة)- بالتيار الإسلامي التنويري ( المنتسب لمدرسة مالك بن نبي و محمد الغزالي..) و انحيازه المطلق لخيار الانتفاضة و المقاومة في القضية الفلسطينية.. فذلك كله ذات الخطاب الذي تروم الحركة الإسلامية أن تبصم به الساحة الثقافية و الاجتماعية في هذا الوطن !

إن المهدي المنجرة  مؤسسة علمية – كما نعته بذلك ذ.يحيى اليحياوي في تقديم كتابه (حوار التواصل)- تنصهر في بوتقتها كل الأطياف الفكرية و الحركات الاجتماعية الوطنية؛ يمكن لفكره أن يشكل نقطة انطلاق لبناء كتلة وطنية منيعة تحصن عملية الانتقال الديمقراطي و بناء النموذج التنموي في بلدنا.

من الواضح أن الذين تتمعر وجوههم إثر قراءة خطاب: المثقف الملتزم بقضايا الأمة و الإنسانية و الوطن، المفكر غير المحسوب على طيف من الأطياف و لا توجه من التوجهات؛  هم عصابات الفساد و شبكات المصالح الشخصية الضيقة و أباطرة المخدرات و الذين يعيشون على فُتات موائد الاستعمار..

فكر المنجرة –كذلك- لا يعرف  حدودا بين الأمة و الوطن بل هناك ترابط بين قضاياهما معا؛ خذ مثلا القضية الفلسطينية، بصددها يؤكد قائلا: “لن نهزم الكيان الصهيوني إلا بتوحد و تلاحم القيادة و الشارع العربيين عبر مصداقية السلطة المخلصة لشعوبها و ليس لمستعمريهم عبر المشاركة الشعبية و الديمقراطية الفعالة، عبر انتخابات نزيهة و احترام القيم و الحريات و التمسك بالهوية، عبر الاهتمام بالعنصر البشري و بالبحث العلمي و تشجيع الإبداع و الخلق و الاعتماد على الذات و الكفاءات المحلية…”. (المهدي المنجرة، “انتفاضات في زمن الذلقراطية”، ص:120).

قبل الختم، إذا كان الفيسلوف الأمريكي هربرت ماركوز قد ألهم الشباب في العالم الغربي بالخصوص في فترة من الفترات و خاصة الشباب الجامعي في انتفاضة 1968 للاحتجاج ضد تجليات اللامعنى و غلواء الحياة المادية و النزعة الاستعمارية الامبريالية (في الفيتنام..). فإن كتابات البروفسور المغربي المهدي المنجرة و مواقفه العملية، بإمكانها أن تُلهم الشباب المغربي (و الشباب العربي عموما) و تصقل حسه النقدي و تؤطر رؤيته الإدراكية و تساهم في تحديد بوصلته الفكرية في المرحلة الراهنة و المقبلة. ففيها تجلو مصداقية قول “لا” دونما سقوط في دوامة العدمية؛ “لا” التي تقال للظلم و الفقر والفساد و الاستبداد  و الأمية و التجهيل و الاستلاب و الاغتراب و العمالة للمستعمر و التكبر و الصلف و الخمول و الغرور .. فهو الذي استبطن “لا” من الشباب الباكر، و يتذكر ذلك قائلا: المهدي بن عبود رحمه الله علمني شيئا و أنا ابن17 سنة في أمريكا، عندما يخاطبني أقول له “نعم” سيدي، فالتفت إلي و قال: ” تعلم أن تقول لا، قل “لا” أولا و إذا اتضح أن هناك مبررات لقول “نعم” فلا باس، أما إذا تعودت على قول نعم فيصعب عليك قول “لا” بعد ذلك. ( “الإهانة في عهد الميغا امبريالية”. ص: 258 ) 

أيوب بوغضن

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

إغلاق