الخنبوبي: الهيئة الوطنية للخبراء المحاسبين بالمغرب تريد احتكار المهنة من طرف أعضائها الـ300 فقط  

المحاسبة

لا يختلف اٍثنان أن قطاع المحاسبة والائتمان(la fiduciaire) بالمغرب في حاجة اليوم أكثر من أي وقت مضى إلى التنظيم والضبط، واٍلى تقنين جامع ومانع.وقد عرفت البشرية منذ ألاف السنين مهنة المحاسب بشتى أنواعها،كما عرف المغرب بدوره هذه المهنة منذ التاريخ البعيد تحت مسميات وتجليات مختلفة، منها”الحيسوبي”،”الصراف”،”المحتسب”،الصكاك”…
منذ عهد الحماية ، عرفت مهنة المحاسبة وتنظيماتها المهنية ارتباطا بالفرنسيين ،وقد تم استصدار قانون سنة 1950 ينظم الهيئة المهنية للخبراء المحاسبين بالمغرب ،وما تلاه من تعديلات وتشريعات خاصة.لكن كل هذا لم ينفع في بناء ترسانة قانونية قوية تؤطر القطاع بتشكيلاته المختلفة،وهو ما أدى بمجموعة من الفاعلين المهنيين والحكوميين والسياسيين للتفكير سوية لإخراج مشروع قانون22-08 ،ينظم هيئة للمحاسبين المعتمدين ليضاف إلى القانون المنظم لهيئة الخبراء المحاسبين،ومشروع القانون الآن معروض على أنظار البرلمان.
إلا أن ما حدث هو أن الهيئة الوطنية للخبراء المحاسبين،والتي كان من المفروض أن تكون أول مساهم في إصلاح القطاع،حاولت أن تعيق هذا المشروع القانوني لإصلاح القطاع وشنت حملة ضده في كل الاتجاهات لمعارضة أهم البنود التي ينص عليها ،والتي ستكون مفتاحا أساسيا للإصلاح،لكن ملاحظات الهيئة فيما يخص مواد مشروع القانون أسفله مردودة عليها لأسباب مختلفة:
-المادة الأولى:و تبين كيفية تصنيف المقاولات الممكن تعاملها مع الخبير المحاسب أو المحاسب المعتمد.لكن الهيئة رفضت ذلك داعية إلى احتكار الأغلبية الساحقة من المتعاملين الضريبيين الملزمين بالمحاسبة التعامل فقط مع الخبير المحاسب.
وهذا مردود على الهيئة، كون تنظيم المهنة لا يعني بتاتا احتكارها ،فالاحتكار فعل منبوذ قانونا وشرعا،كما أن هذه الدعوة فيها رغبة صريحة لاحتكار حوالي 300 شخص بالمغرب (وهو العدد التقريبي للخبراء المحاسبين)التعامل مع ما يقرب من 40 مليون مواطن مغربي في ميدان المحاسبة ،وهو مالا يقبله المنطق والعقل.ولأن الفاعلين الحاليين في قطاع المحاسبة يتوفرون على تكوين علمي، ووجود قانوني، وتقييدات في جداول الضرائب، وسجلات المحاكم، وتجربة طويلة تمنحهم حق الممارسة ومعالجة الملفات المحاسبتية،كما أن هذا الاحتكار التي تدعو له الهيئة سيؤدي حتما إلى اضطرابات اجتماعية كون المحاسبون المعتمدون وائتمانيتهم، وكذا المحاسبون المحلفون لدى المحاكم، والمحاسبون المستقلون، ومراكز المحاسبة التابعة للدولة، يتعاملون مع الملايين من الملزمين الضريبيين(les contribuables) على المستوى الوطني(الموظفون،التجار،المقاولات الصغرى والمتوسطة،ذوو الدخول العقارية والفلاحية،مواطنون عاديون…)،وسيؤدي احتكار التعامل معهم من طرف حوالي 300 شخص إلى فوضى ومواجهات أمام الإدارات العمومية التي تتولى الاٍئتمانيات التعامل معها، لاسيما وأن بعض هذه الإدارات يمثل حساسية خاصة للدولة في قطاع المالية، و بعضها يعاني أصلا من تأخر المساطر وتعطيل مصالح المواطنين(سيتكدس ألاف المواطنين كل صباح أمام مكاتب الخبراء،مصالح الضرائب،الخزينة العامة،الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي،المحاكم التجارية،أقسام الحسابات بالمحاكم الابتدائية،الجريدة الرسمية بالأمانة العامة للحكومة بالرباط،القباضات البلدية،المراكز الجهوية للاستثمار،مكاتب تنمية التعاون…).
-المادة السادسة:والتي تبين إمكانية تعاقد مجموعة من المحاسبين المعتمدين لتدبير ملفات المحاسبة.إلا أن الهيئة ترفض هذا البند، وفي أنانية مهنية واضحة واٍبتزاز صارخ تدعو المحاسبين المعتمدين إلى الاشتغال كأجراء في مكاتب الخبراء.
وهذا مردود على الهيئة، لأنه يبين بوضوح هاجس السيطرة على المهنة ،كما يضر بمصالح المواطنين الفقراء،فقد عانت مثلا الكثير من تعاونيات الفقراء وذوي الدخل المحدود الفلاحية منها والحرفية والسكنية، من فرض الدولة عليها التعامل مع مكاتب الخبراء لإعداد تقارير بتعاون مع المحاسبين،حيث تفرض عليهم مبالغ أتعاب فوق قدرتهم تتجاوز سنويا في كثير من الأحيان 5000 درهم ،فكيف للتعاونيات النسائية المتخصصة في الزرابي و تربية الأرانب والمعز وزيت الأركان أن تسدد ذلك، وهو ما جعل أغلب هذه التعاونيات تتوقف عن نشاطها وعن التزاماتها المالية والحالات كثيرة في هذا الصدد.وقد كان من المفروض أن ينص مشروع القانون المعروض حاليا على البرلمان، على اٍمكانية التدرج المهني للمحاسب نحو الخبرة المحاسبتية بفعل الأقدمية والتحصيل العلمي كما هو معمول به في الدول المتقدمة،لا أن تتم الدعوة إلى اشتغالهم كأجراء،رغم التكافؤ في سنوات التحصيل العلمي في بعض الأحيان أو تجاوز ذلك أحيان أخرى وهو ما يثبته الواقع.
-المادة العشرون:تنص على شروط ولوج المهنة خصوصا المؤهلات العلمية والسيرة الذاتية التي تبين نزاهة الشخص،كما تحيل هذه المادة على مادة أخرى تشير إلى المقتضيات الانتقالية في حال تطبيق القانون الجديد، واٍعطاء حق القيد في هيئة المحاسبين المعتمدين لأغلبية الممارسين الحاليين حتى تحفظ مصالح الجميع ولا تحل أزمة وتخلق أزمة أخرى فظيعة في تشريد فئات واسعة من المواطنين تحصل على قوت يومها من القطاع .لكن الهيئة رفضت كل ذلك متشدقة بشرط دبلوم المعهد العالي لإدارة المقاولات وفي شهادة بكالوريا زائد خمسة سنوات.
وهذا شيء مردود على الهيئة، فأي مبتدأ في القانون يعرف أن القانون يوضع لحفظ الأمن والاستقرار الاجتماعي، فبغض النظر عن المحاسبين الحاليين الذين يتوفرون على الشواهد المطلوبة هناك محاسبون لهم مكاتب منذ السبعينات والثمانينات سيكون حتما عليهم أن يغلقوا مكاتبهم… ألم تطرح الهيئة السؤال عن مصير المئات منهم، ومن عائلاتهم، ومستخدمي مكاتبهم، والمتعاملون الضريبيون معهم، حيث تقدر إحصائيات الفدرالية الوطنية لمهنيي المحاسبة عدد الذين يرتبط دخلهم بالقطاع وطنيا بحوالي 30000 ألف مواطن،بالطبع سكون مصير الآلاف من هؤلاء هو التشرد والبطالة.كما أن عدم التنصيص على جامعات الدولة المختلفة، ومعاهدها في القانون والتجارة والاقتصاد وشواهدها وشعبها المختلفة، عدم اعتراف بالتعليم العمومي وكذا الخصوصي المغربي من طرف الهيئة ،فهناك ماسترات وإجازات جامعية وشواهد جامعية للدراسات العامة وشواهد التقني العالي في الاقتصاد والمالية والمحاسبة، وكذا في القانون، حيث الارتباط الوثيق للمهنة بالقانون الجبائي والقانون المالي والتجاري، وما يتطلبه ذلك من الضرورة الملحة لالتحاق حاملي الماسترات والإجازات المهنية في القانون الجبائي وقانون المقاولات وقانون الأعمال بالمهنة ، وفق التشريعات بطبيعة الحال،وهو ما سيحل إشكالية البطالة لا أن يزيدها كما تدعي الهيئة ،التي تابع أغلب أعضائها كما هو معلوم دراستهم بفرنسا، خصوصا في الشعب التجارية لا القانونية والتي لها ارتباط وثيق بالمهنة أكثر من التجارة لأن المحاسبة في نهاية المطاف لم ترتقي إلى علم حسب العلماء الابستمولوجيي ،بل هي مجموعة من التقنيات يمكن استيعابها من أي كان، فالشق القانوني في الممارسة هو الذي يتطلب دراية كبيرة،فكيف للخبير المحاسب الذي تابع دراساته في تخصصات تجارية وتقنية محضة، أن يقوم بدور المستشار القانوني للمقاولة ،وهو الشيء الذي يتوفر لدى كثير من المحاسبين المعتمدين والمستقلين والمستشارين القانونيين الذين تابعوا دراساتهم في التخصصات القانونية موازاة مع التجارية والاقتصادية .
-المادة العشرون في شقها:تنص على تنظيم التدريب المهني بمكاتب المحاسبين المعتمدين كشرط لإمكانية فتح مكاتب مستقبلا على غرار مهنة المحاماة،إلا أن الهيئة رفضت ذلك بالمطلق ودعت إلى ضرورة اجتياز الراغب في الولوج إلى المهنة، اختبارا أمام لجنة تضم هيئة الخبراء المحاسبين(وما أدركما اللجن المهنية بالمغرب، كما هو شأن بعض المهن القانونية التي أغلقت في وجه أبناء الشعب، إلا من رحم ربي من أبناء(…)وها نحن نسمع عن رواد هذه المهن يوميا العجائب والغرائب) كما أن الهيئة تدعو إلى التدريب بمكاتب الخبراء المحاسبين ال300 مع العلم أن عدد المتدربين لديهم حاليا هو 170؟؟؟
وهذا كله مردود فكيف ستحل أزمة الشغل بإغلاق الأمل أمام جيوش تقدر بالآلاف من خريجي الجامعات والمعاهد والمدارس التي أنشأتها الدولة وتصرف عليها ملايير الدراهم،في إمكانية فتح هؤلاء مكاتبهم. فإذا اتبعنا رأي الهيئة سينتظر هؤلاء فرصة تدريب لدى حوالي 300 خبير،وربما لن تصل الفرصة هؤلاء الشباب حتى يشتعل رأسهم شيبا.هذا في الحقيقة يشتم منه بدون شك رائحة احتكار المهنة وإغلاق الأبواب أمام الناس في الولوج اٍليها ،كما هو شأن مهن أخرى بالمغرب، وهو ما يتنافى مع المبادئ الدستورية للدولة المغربية في تكافئ الفرص أمام الشعب.
في الأخير أقول ثانية إن تنظيم مهنة المحاسبة لن يتم بالاستعلاء، بل عن طريق التعامل والقبول بكل الفاعلين في القطاع وهيأتهم المهنية، من خبراء محاسبين، وخبراء محلفين لدى المحاكم في الحسابات، والمحاسبين ،والمحاسبين المعتدمين،والمحاسبين المستقلين، ومساعدي المحاسبين، والجمعية المغربية للمستشارين القانونيين والجبائيين،والفدرالية الوطنية لمهنيي المحاسبة، والنقابة الوطنية للمحاسبين المستقلين.كما تجب الدعوة إلى ضرورة اٍعادة النظر في القانون المنظم للخبراء المحاسبين لإمكانية ولوج المهنة بالتدرج من طرف المحاسبين كما هو معمول به في الدول المتقدمة،كما تجب الإشارة إلى الدور الكبير الذي لعبه المحاسبون المعتمدون وائتمانيتهم في البرامج الوطنية”مقاولتي” و”رواج” و”مساندة” للنهوض بالاقتصاد الوطني وحل معضلة الشغل ،وكذا دورهم الكبير في المواكبة المحاسبتية للجمعيات في الدعم المالي للمبادرة الوطنية للتنمية البشرية ،وإعانات الدولة للجمعيات ،وهذا ما لا يستطيع أن يقوم به حوالي 300 خبير يتعاملون مع مقاولات معروفة – كبيرة جدا- معدودة على رؤؤس الأصابع. وفي الأخير لا نشك في الاطلاع القانوني والخبرة القانونية لبعض أعضاء الفرق البرلمانية، فهم معروفون بتفقههم الكبير في القانون وأرائهم القانونية مشهود بها على الصعيد الوطني، حيث سيعملون ما بوسعهم لحث بقية البرلمانيين على المصادقة على مشروع قانون 22-08 كما هو الأن،وهو الذي تمت صيغته بتوافق الجميع، ولا أعتقد أن كفة حوالي 300 شخص ستغلب كفة 40 مليون مواطن،وإلا فاٍن هناك خلل ما.

الحوار المتمدن أحمد الخنبوبي

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

إغلاق