الامتحانات والانتخابات وجهان لعملة واحدة

03087033411502821084385814804008

جرت انتخابات هيئة المأجورين ومناديب العمال وممثلي الموظفين في القطاع العام والخاص بالمغرب بدء من ثالث يونيو 2015 وتليها امتحانات البكالوريا بدء من تاسع يونيو. وكلما اقترب الاستحقاقان كثرت التعليمات. فقد أعلنت وزارة التعليم “مواصلة الجهود الرامية إلى تحصين مصداقية البكالوريا الوطنية ودعم آليات ضمان الاستحقاق وتكافؤ الفرص لجميع المترشحين”.وقد أصدرت الوزارة تعليمات لمنع الغش. بينما نبهت وزارة الداخلية إلى ضرورة ضمان الاستحقاق وتكافؤ الفرص لجميع المترشحين والغاية هي تحصين مصداقية الديمقراطية المغربية من الغش الانتخابي. 
لتحقيق هذه الغايات النبيلة تأمر وزارة التعليم التلاميذ:
يمنع منعا كليا حيازة الهواتف النقالة والوسائط الإلكترونية داخل فضاءات مراكز الامتحان، كما يمنع تبادل الحديث بين المترشحين خلال اجتياز الاختبارات أو استعمال الوثائق والمعينات غير تلك المسموح بها. وستحرر الإجابات على أسئلة الاختبار في الحيز المخصص لذلك في كراسة الاختبار باستعمال قلم الحبر الجاف. ويتم التسويد باستعمال الصفحات الخلفية لنفس كراسة الاختبار.
هكذا ولأول مرة سيكون لكراسة الامتحان وجهان، وجه للتسويد ووجه للإجابة. وكل خرق لذلك يعتبر غشا يعرض صاحبه إلى عقوبات زجرية منها الإقصاء التام من المباراة.
هكذا يُحارَب الغش بالتوعية و التهديد بالعقاب.
أما وزارة الداخلية فتنصح المرشحين باحترام سقف المصاريف مع الحرص على منع المس بثوابت المملكة واحترام الغير واجتناب التحريض على العنصرية أو الكراهية أو العنف. كما يمنع الظهور في أماكن العبادة أو أي استعمال كلي أو جزئي لهذه الأماكن؛ كما يمنع إظهار عناصر أو أماكن تشكل علامة تجارية. ممنوع العنف والدين والتجارة.
والغاية النبيلة هي تكافؤ الفرص والاستحقاق. والملاحظ هو تقارب تعليمات وزارة التعليم ووزارة الداخلية. كيف نفسر تشابهات التعليمات في التأكيد على الاستحقاق والفرص؟
الامتحان والانتخابات ظاهرة اجتماعية قوامها التنافس والاختبار بغرض الحصول على الأفضل. ويؤدي العجز عن التنافس في فهم الدروس وفي إقناع الناخبين إلى الغش. ويعيش الغشاش حالة مزدوجة مع زميله الذي سيُغشّشه هي علاقة تعاون وتنافس. وفي لحظات المنافسة الشديدة يكون الفرد تحت الضغط فيكشف حقيقته، تتعرى دوافعه ويدوس على التعليمات في سعيه لتحقيق غايات خسيسة.
من أشكال الغش الانتخابي أن يستخدم مرشح أرنب سباق يقوم بحملة وينسحب قبيل التصويت لصالح مرشح آخر. مثال آخر في انتخابات بلدية سابقة حصل حزب صغير على اربعة مقاعد. وحين ترشح زعيم الحزب عن نفس الإقليم لمجلس المستشارين لم يصوت عليه أربعة بل مائة عضو بلدي. واضحة التجارة هنا.
وللغايات الخسيسة تعليمات شفوية فعالة سرية، وهناك تناقض كبير بين التعليمات المكتوبة الرسمية القانونية والشفوية التي رسختها الممارسة والعرف. فكما أن هناك اقتصاد عشوائي وبناء عشوائي هناك سياسة عشوائية تكره الورق والوضوح. وتقضي التعليمات الشفوية بتحقيق الهدف بكل وسيلة ممكنة. عبر سرقة أجوبة الامتحان وعبر تضليل الناخبين وشراء أصواتهم. عادة يتملق الغشاش سلطة الاستاذ ويتملق المرشح الناخبين. وهنا يكون للمرشح وجهان. حين يفشل التملق يبدأ العنف والبلطجة.
من أشكال التملق هذا الحملة الانتخابية الحالية:
أخي الكريم أختي الكريمة، إن صوت الشغيلة المغربية اليوم أمانة ومسؤولية، فلا تضيعه، واعطه لمن يستحق بإرادتك الحرة وضميرك الوطنى اليقظ. صوتك حق فلا تمنحه لمن يريد تغييب وعيك، وتزوير إرادتك وحقك فى الاختيار.
أخي الكريم صوت على من سيرد الاعتبار للمدرسة العمومية خدمة لأبناء وبنات الشعب المغربي …
تجري الحملة الانتخابية للشغالين على الفايسبوك أكثر مما تجري على أرض الواقع. خاصة وأن النقابات التي قاطعت عيد العمال تجد نفسها مضطرة للعودة للغة النضال في ظرف صعب. لذا يهاجم كل حزب ونقابته باقي الخصوم بشدة مبينا فشلهم ونفاقهم. في المغرب نقابات المعارضة ونقابات الموالاة.
في أجواء تسخينات بداية صيف انتخابي ماراطوني – وفيه حلقات لانتخاب أعضاء مجالس الجهات، وانتخاب أعضاء مجالس والأقاليم وانتخاب أعضاء مجلس المستشارين وهو مسك الختام – حذّرَ قيادي حزبي من تحول المنافسة والعنف اللفظي إلى عنف مادي. وأكد إلياس العماري من حزب الأصالة والمعاصرة “أن العنف اللفظي هو مقدمةٌ للعنف المادّي”.
أما في الحقل التعليمي فرغم التعليمات فقد بدأ العنف، ففي هذه الأثناء تجري بالثانويات فروض المراقبة المستمرة، ويبدو أن هناك معركة غش خسيسة للحصول على نقط سهلة. وقد نشرت الصحف خبران. يقول الخبر الأول:
أقدم تلميذ بالثانوية التأهيلية عبد الكريم الداودي في مدينة فاس، على مُحاولة قتل أستاذ يُدرسه مادة الرياضيات. كان يرغب في ضرب أستاذه بسلاح أبيض من الحجم الكبير إلا أن مُحاولة الأستاذ حماية رأسه أدت إلى بتر جزء من ذراعه”.
السبب؟
منع الاستاذ التلميذ المُعتدي من الغش في الامتحان، وحين هدده التلميذ تقدم الأستاذ بشكاية للشرطة. حاليا الأستاذ في المستشفى والتلميذ في حالة فرار.
الخبر الثاني:
أقدم تلميذ بالثانوية التأهيلية ابن خلدون بالعاصمة العلمية فاس، على تكسير أنف أستاذه في مادة اللغة الإنجليزية، حيث أصابه بكسر مزدوج فخضع لعملية جراحية مستعجلة.
السبب؟
محاولة الأستاذ فرض جو من الانضباط وعدم الغش، الشيء الذي أثار حفيظة التلميذ الذي لم يتهيأ كعادته للفرض المحروس، فتأجج غضبه، وقام برد فعل عدواني ضد أستاذه.
جرت الجريمتان في مدينة فاس، وهي العاصمة العلمية والروحية للملكة المغربية. ويبدو أن الغش قد وصل إلى الروح. وبالمناسبة انقض المعلقون في الصحف ومواقع التواصل الاجتماعي على المدرسة العمومية لتأكيد فشلها. يحدث هذا كل مرة تقع أزمة يتابعها الإعلام. اشتكى عبد الله ساعف من تناول التعليم في النقاش العمومي. نقاش يؤكد على فشل مستمر وآمال مخيبة ويأس وأيضا انتظارات متنوعة.
وقد اتهم ساعف التقارير المنشورة عن التعليم بأنها سجينة القصور المنهجي ومشبعة بالأحكام المسبقة. تقارير تغذي “خطابا أزمويا” و”إيديولوجية كارثية” تهيمن على القطاع. بل إن نقد النظام التربوي أصبح يتم بشكل تلقائي وبكيفية لا مفكر فيها في كثير من الأحيان. وقد فسر ساعف هذا النقد الشديد بحجم انتظار المغاربة من المدرسة.
بسبب هذا الانتظار يكون نقد المدرسة شديدا، بين يُنسى غشاشو الانتخابات بسهولة. يتم التسامح مع الغشاش السياسي بالرغم من تشابه التنشئة الاجتماعية للتلميذ وللسياسي. ومن الخصائص القيمية المشتركة لسلوكهما اعتبار الغاية الخسيسة مبررة حين تحقق النجاح. وهناك طبعا الاتكال واعتبار النزاهة بلاهة والغش شطارة. وأيضا توقع الإحسان من الآخر. فالحسنة بعشرة أضعافها. لذا يتم استفزاز طيبوبة الآخر وشهامته ليخرق القانون ويكون محسنا. وهنا تستخدم اللغة الدينية والدعوات بكثافة.
وبمناسبة اللغة الدينية فاللهم بلغنا شهر الانتخابات وأعنا على تجنب آثام الانتخابات السابقة دون أن تصير الكلمات العنيفة أفعالا في الحقل السياسي. آمين.
 

محمد بنعزيز

شبكة أندلس الاخبارية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

إغلاق