الصحافة في مَهب الريع

الصحافة

حسن الهيثمي يكتب : الصحافة في مَهب الريع

مَا وَصلته الصحافة ببلادنا، يَدعو إلى وقفة تأمل حقيقية من طرف القائمين عليها، من أجل مُراجعة الدور الأساسي الذي يجب أن تقوم به السلطة الرابعة، من نقل الحَقيقة إلى جمهور القراء دون أي تدخل فيها سواء بالسلب أو الإيجاب.
يَجب أن التفكير في وضع قواعد صارمة لولوج المهنة، عوض ترك الأبواب مشرعة ليدخلها كل من هب ودب، فيستعملها من أجل الشتم عوض النقد البناء، لأنه لايعرف من النقد إلا النقود التي يقبضها بيد ويكتب باليد الأخرى، أو بالأحرى يكتبون له.
افتحوا الجرائد، وطالعوا قصاصات إخبارية غير مُتوازنة، تنقل وجهة النظر الواحدة، وطالعوا موادا صحافية ليس لها من الصحافة إلا كونها مكتوبة على الورق، لا يمكن أن تَجد لها تصنيفا ضمن الأجناس الصحافية المعروفة ؟
(عاجل، حصري، انفراد..)، عبارات تسبق المادة الصحافية من أجل التدليس على القارئ الذي بمجرد أن يبدأ في قراءتها ينتهي من قراءتها، لأنها أخبار “بايتة” بلغة أهل الصحافة، تم سحبها من “الفريكو” مثل أي قطعة لحم نتنة، وإضافة التوابل إليها، وخاصة “الحرور”، وهكذا يتحول بَعض الصحافيين إلى باعة الصويص الغشاشين، الذين يهدفون إلى ربح بَعض المال، أو دعوة إلى إحدى البارات الرخيصة، أو سفر داخل أو خارج المغرب، وفي أسوأ الأحوال “تبركيكة” من بعض مُنتحلي صفات مَجموعة من المهن.
كثيرا ما أضحك، عندما أقرأ خبرا بعنوان بالبنط الغليظ، وقد رواه مصدر “موثوق”، يحشر فيه مجموعة من الأخبار الزائفة، ولأن ذات المصدر هو مُحرر الخبر، لا ينقل وجهة النظر المقابلة، لأنها غالبا ما تكون لرئيسه في العمل، فيكتفي بوجهة نظر وحيدة مثل أي غراب أعور لا يَرى إلا بعين واحدة، ولأن رئيس تحرير الجريدة الصفراء أو المَوقع الكهربائي، ينتظر “الكذب” بفارغ السفه ليتم نشر المادة بدون أي مُراجعة أو تصحيح، يكتفي بتوقيع صيده الثمين باسم منبره أو باسم أحد “الصحافيين”.
للأسف الشديد، لدينا معهد عُمومي وحيد لتخريج الصحافيين، الذين لا يشتغل أغلبهم في هذه المؤسسات الإعلامية، وحتى إذا اشتغل بعضهم يُعاني كثيرا، وكثيرا ما أقول لأصدقائي منهم بأنكم مثل أي “هدهد” يعيش بين الطيور الكاسرة، فنضحك كثيرا (من كثرة الهم طبعا)..
تحولت بعض “الصحف” في بلادي إلى “دَوَاز”، يَسمح لنفسه أن يدوس أخلاقيات المهنة، من أجل تحقيق أهداف صغيرة وحقيرة، ومن أجل الاستفادة من الريع الذي تجد الصحيفة الصفراء تهاجمه في افتتاحياتها، وتعيشه منه في باقي الصفحات دون أي عقدة ذنب..من يدري فلربما استفادت من إحدى “خلطات” خطوط التنجيم التي تنشرها على صفحاتها يوميا..
تُدمي القلب الحرب الدائرة بين جريدتين مَعروفتين، كل واحدة تكيل للأخْرى الشتائم التي تصل إلى حد “التخوين”، و”العمالة”، وهذا شيء مُؤسف جدا.. حيث يجد “الصحافيون” أنفسهم في ساحة حرب في وجه زملائهم، وقد أشهروا السكاكين وشفرات الحلاقة..بَينما يعيش الذي يحرك هذه المعارك الوهمية في ظلام دامس مثلما يقع تماما في مَسرح العرائس..
خلاصة القول، لاوجود لصحافي كبير أو صحافي صغير..بل يوجد صحافي صالح، وصحافي فاسد.. يوجد صحافي ناقد (يتحرى النقد)، ويوجد صحافي ناقم وحتى إذا حاول أن يصبح ناقدا فإنه يتحرى النقود..
قلت لصديقي سعيد : (الله يحسان لعوان كاين فيهم اللي محتاج والحياة صعبة والمعيشة غالية..).
يَرد علي : تجوع الحرة ولا تأكل بثدييها
أجيبه : طبعا ماشي قناة “الحرة”
نضحك كثيرا..(طبعا من كثرة الهم).
بقلم حسن الهيثمي

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

إغلاق