بيداغوجيا السيرورات

السيرورات

تعتبر بيداغوجيا الفارقية، أو ما يسمى ببيداغوجيا السيرورات، واحدة من الممارسات البيداغوجية، التي تراهن عليها الإصلاحات الأخيرة التي عرفتها المنظومة التربوية، وذلك بجعل المتعلم في قلب الاهتمام، من خلال احترام خصوصياته، وإخضاع جميع الأنشطة الخاصة بالحياة المدرسية لاعتبار الفوارق الفردية، الشيء الذي يفرض هندسة و تخطيطا لتفعيل هذه الممارسة على مستويات، أهمها :

1_تدبير الزمن بالمدرسة و بالقسم:

أثبتت الدراسات العلمية أن ايقاع اكتساب التعلمات لدى المتعلم يرتبط بتغيرات النشاط العقلي لديه، وذلك في علاقتها  مع الزمن، حيث في بداية الأسبوع يكون مستوى نشاط المتعلم منخفضا، ويبدأ في الارتفاع إلى أن يبلغ ذروته أيام الخميس و الجمعة، لينخفض مستواه  تدريجيا حتى نهاية الأسبوع، الشيء نفسه بالنسبة لنشاط اليوم، حيث يكون ضعيفا في بداية الساعات الأولى من الصباح، فيرتفع إلى أقصاه مع اقتراب الزوال ليبدأ في منحى تناقصي في حصص المساء، ومن هذا المنطلق وجب تدبير و استغلال زمن التعلم إلى أقصى حد ممكن، وذلك من خلال التركيز في الحصص الصباحية على التعلمات التي تستدعي التفكير و الاستيعاب و التركيز، أما حصص المساء فتخصص لأنشطة الحفظ و الترسيخ، كما يجب من جهة أخرى استهلال الأنشطة الأسبوعية واليومية بأنشطة التفتح، بغرض الانتعاش الفكري. ومع  اعتبار المتعلمين لا يتعلمون بنفس الوتيرة والإيقاع، فيجب تخصيص نسبة مهمة من الزمن للأنشطة الأساسية، أو تمديدها بالنسبة للمتعثرين، حتى يتسنى  للجميع تنمية الكفايات الأساسية المرجوة.

2_على مستوى تدبير فضاءات المدرسة و فضاء القسم الدراسي:

من المعلوم جدا أن أساليب اكتساب التعلم لدى المتعلم تختلف من شخص إلى آخر، فهناك من يتعلم بالأسلوب الإبصاري، وهناك من يتعلم بالأسلوب السمعي أو الحركي…، و رغم اختلاف أهمية هذه الأساليب، فهناك من يتطلب استدعاء جميع هذه الأساليب، من ما يجعل ضرورة استغلال فضاءات المدرسة بشكل جيد ضرورة لا استغناء عنها، من القاعة المتعددة الوسائط و المكتبة والساحة و البستنة و الفضاء الرياضي وكذا أركان فضاء القسم من ركن الرسم وركن القراءة …

وعلى هذا الأساس، أصبحت الضرورة تلح على جعل فضاءات المدرسة والقسم فضاء متنوعا، يواكب رياح العولمة التي هبت على العصر، و يرقى إلى التعامل مع جميع عينات المتعلمين عامة، و ذوي الاحتياجات الخاصة منهم، وجعل هذا الفضاء قادر على تغذية الحياة المدرسية باعتبارها جزء من حياة المجتمع الذي أصبح يؤمن بتعدد الذكاءات.

3_على مستوى توزيع المتعلمات و المعلمين بالمدرسة و بالقسم الدراسي:

يعتبر العمل بالمجموعات من أنجع طرق وتقنيات التنشيط الفعالة في تفعيل بيداغوجيا السيرورات، و ذلك بجعل المتعلم يذوب داخل مجموعة متعلمين قد يتعلم منهم ما لا يمكن أن يكتسبه من المدرس نفسه، سواء تعلق الأمر بالأنشطة الصفية أو الأنشطة المندمجة، و بالتالي يبقى توزيع المتعلمين رهينا بنوع الأنشطة المقررة،  فللمدرس أن يقترح ذلك، أو يجعل الاختيار للمتعلمين حسب ما تستدعيه الغاية من ذلك، فيكون التوزيع إما حسب الاهتمامات، أو الاحتياجات، أو الفروقات الفردية، أما على مستوى الأنشطة المندمجة، فغالبا ما يتم توزيع المتعلمين حسب اهتماماتهم وميولاتهم.

4_على مستوى تدبير الأنشطة التعليمية و التعلمية بالمدرسة و بالقسم الدراسي:

من خصائص بيداغوجيا السيرورات أنها تنويعية، و تفريدية تقر بفردانية المتعلم، على هذا الأساس يجب جعل الأنشطة الصفية في مصلحة المتعلم بالدرجة الأولى، توافق خصوصياته كفرد داخل الجماعة، وجعلها متنوعة تلبي حاجات جميع أفراد الجماعة، وذلك بخلق وضعيات تعلمية مختلفة الأشكال و الألوان، حتى تصادف سيرورة تعلم كل فرد من جهة، وحتى تسمح للمتعثرين من بلوغ ركب زملاءهم في الجماعات من جهة أخرى، و بالتالي سحق التباين الشاسع في التعلم بين الأفراد.

أما على مستوى الأنشطة المدرسية، فالاهتمام بالأنشطة المندمجة  لتغطية أكبر عدد ممكن من الاهتمامات بخلق أندية تربوية تقلص الفوارق بين المتعلمين على المستوى المعرفي أو الوجداني أو الحس-حركي، غاية لا محيد عنها، ومطلب أساسي في نجاح كل منظومة تربوية.

انطلاقا مما سبق ذكره، يبقى نجاح كل فاعل داخل الحياة المدرسية رهين بمدى ايمانه باختلاف الذكاءات و القدرات من متعلم إلى آخر، و بالتالي تصريف اهتمامه من الاتجاه التقليدي،الذي يتجلى إشكاله في: ماذا سأدرس؟ إلى تسليط الأضواء على السؤال الأولى: من سأدرس؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

إغلاق