الترمضين …

images

غداة حلول شهر رمضان المبارك ، و في زحمة هذه الأجواء الحارة التي نعيشها ، و  أمام الميزة الخاصة التي تختص بها هاته الأجواء الرمضانية ـ كونها حلت في عز لَفِيحِ شمس الصيف الحارقة ، و أيضا بعد انتهاء السنة الدراسية مباشرة ـ نلحظُ شيوعَ ظاهرة الترمضين أو المرمضن  ، أو سمِّها ما شئت من الأوصاف التي تعتلي كل شخص اشتعلت نار أعصابه غيضاً و حنقاً ، و الْتَفَحَتْ  بسعير حرارة الصيف ، و حرمان النفس من ملذاتها و شهواتها ، خاصة تلك التي اقترنت بها في أيام الإفطار ، و صارت صنواً لها كالتدخين و ما شَابَهَهُ …
هذه ظاهرة اِجْتماعية حَريَّة بالدراسة و النظر ، هي بمثابة تخدير شريحة واسعة في المجتمع ، ترى الكثير من إفرازاتها  قبل الإفطار من قبيل :المشاجرات و المشاحنات و الكلام النابي و التشابك بالأيدي و سب الملة و الدين و الشرف … إلى غيرها من الأفعال المشينة التي تمجها النفس السوية . و تنبو عنها الأذن. هل سبب هذا كلِّه رمضان الكريم ؟ أليس رمضان شهرَ العبادة ، و التقربَ إلى الله ، و زيادةَ المخزون الإيماني و التبتلَ إلى الله و الإخباتَ إليه ؟
صحيح أن علاج هذه الظاهرة لم تعد تنفع معها المقاربة الدينية فقط كنصح هؤلاء المترمضنين بمزايا رمضان و فضائله ،  بدليل ما نراه يوميا من إفرازاتها المتناسلة ، هي :مشكلة نفسية و اجتماعية بالأساس ، يحاول الوازع الديني معالجتَها و تهدئةَ نارها المتوقدة في بواطنها المضمرة ، إنها تلخيص لحال الإنسان المغربي الذي تتقاذفه متطلبات الحياة و همومُها ، أن يختار جمع من الناس مُزاملة السجارة و ما شابهها من أنواع التخدير المحرمة حسب رأي الشارع الشرعي ففيه هروب من جحيم الواقع و أسئلته المؤرقة ، و حين يأتي رمضان و يعلن مفارقة ظرفية لهذا القرين فلن تنتظر إلأ الرعونة من المكظوم …
لست أدري أتطرق علماء الإسلام الأقدمون إلى هذه الظاهرة  أم لا ؟ لكن كل يمكن قوله : إن حل هذه  الظاهرة التي صارت عصية إلى لم نقل منسية ، لا من قبل علماء الإسلام المحدثين ، أو حتى من دارسي العلوم الإنسانية الحديثة … يكمن بالأساس في تظافر الجهود بين ذوي العقول المتنورة ، كل حسب موقعه ، الشخص الحامل للخطاب الشرعي مثلا ، لا ينبغي له دائما أن يلقيَ ظهره إزاء أي مثيل لهذه الظاهرة ، و لا يجب عليه أن يشهر سهام الوعد و الوعيد إزاء أي شخص تتطاير منه شظايا إفرازات هذه الظاهرة ، ينبغي استخدام الحِلْمِ النبوي الذي قل تطبيقه ، لنا أن نتخيل ما فعله النبي صلى الله عليه و سلم في حالة طالب الترخيص بالزنا ، أو البَائِلِ في بيت الله .
أنظر إلى نفسية المترمضن و حالتِه الاجتماعية ، هناك من يفرض عليه عمله العملَ ثماني ساعات في واضحة النهار ، و هو صائم ، و أحيانا مَقْطُوع ، و هناك مترمضنون يعانون قلة مَايْدَّار ، في رمضان أو غيره ، كما أن هناك من يعيش الترمضين داخل بيته ، و بين أولاده … إنها حقا حالة مأساوية ، تسمع أحيانا جرائم فظيعة وقعت إثر الترمضين ، علما أن قدسية هذا الشهر لا تسمح أبدا بما نسمع .
قلنا :إن حل هذه الظاهرة يتجلى بيدي الفئة المتنورة ، السوسيولوجي أفهم بواقع هذه الظاهرة ، و السيكولوجي أقرب إلى نفسية المترمضن ، كما أن عالم الدين له القدرة على بث خطاب سمح و معتدل و مفعم بالإيمان الوهاج الذي من شأنه التأثير في مهج المترمضنين ، صحيح أن ما يصل إليه الباحثون في هذا المجال هي تنظيرات من الصعب أن تجد طريقا إلى التطبيق ، و لن أتنطع إذا قلت من المستحيل تغيير حال مترمضن يعمل في هذه الأجواء الحارة (ثماني ساعات )، خاصة أصحاب القَطْعَة ، إلأ من رحم ربك ، لكن وجب سن قانون يراعي حالة هذه الفئة الواسعة ، و التي لا ينكرها إلا جاحد ، قانونٍ يقضي مثلا بإعطاء إجازة رمضانية كحال بعض الدول ، أو على الأقل يقلص ساعات العمل .
صحيح أن هذا الشهر الفضيل يقبل فيه جمع كثير من الانام إلى المساجد ، و تكثر الدروس الرمضانية الإيمانية ، لكن هذا لا يعفينا من دراسة بعض الحالات الأخرى التي يمكن اعتبارها فارضة نفسها و بقوة ، و ربما هذا كان سببا في شيوع بعض الأصوات التي ترفع يافطات مصايمينش أو ما يسمى بوكالين رمضان .
هذا إذاً أمر واقع و حادث ، و لا يمكن التغاضي عنه ،  حبذا لو أقيمت في شأنه حلقات دينية ، أو برامج تلفزيونية ، و كتابة مقالات تحليلية ، لتشخيص الحالة ، و إصلاح ما يمكن إصلاحه…
أشرف سليم , أستاذ مادة اللغة العربية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

إغلاق