قضية الوحداني : مقاومة النسيان وتحقيق البيان‎

الوحداني 222222222222222222

في مقالة سابقة، ركزنا على مخطط الصمت الذي فُرض على اعتقال ومحاكمة الرئيس السابق لبلدية افني، فمنذ اليوم الأول الذي تم فيه الاعتقال، كان الصمت عن القضية العنوان الأبرز لكسر ومنع أي تضامن شعبي محتمل. وهو صمت مفتعل تورط فيه الجميع كلٌّ حسب منطق تصريف حساب سابق. هذه المرة، سنركز على مسألة أخرى تسير في نفس النهج، هي مسألة النسيان، وهي مرحلة تأتي بعد الصمت. وهدفنا الأساسي طبعا؛ هو تنبيه الناس والفعاليات الحقوقية والسياسية والجمعوية، إلى هذا الاعتقال السياسي المجحف في حق مناضل مشاكس، وسياسي مثقف، وحقوقي عنيد وجرئي، وضرورة الإفراج عنه فورا.
وسأكون مجبرا مرة أخرى إلى التذكير ببعض الأعمال الروائية، لتكون دروسا وعبرا للذين يرون الأشياء من زاوية ضيقة، ليعرفوا أن التاريخ سيرورة تتحرك بفعل تضحيات الإنسان وانخراطه ومشاركته. كما توجد علاقة جدلية وطيدة بين الآداب والأزمات والمحن. فمن الضروري قراءة وتأمل، أعمال الأديب المغربي “محمد برادة”؛ “لعبة النسيان” و “امرأة النسيان” و “بعيدا عن الضوضاء قريبا من السُّكات” وهو عمله الأخير. قراءة هذه الأعمال الأدبية الممتعة ستقتربون أكثر من دناءة العمل السياسي بالمغرب، وانحطاطه إلى درجات تحت الصفر. هي كلها تقارب من زاوية أدبية متاهات مغرب الاستقلال وبؤس النخب والأحزاب السياسية التي تناوبت على مقاليد التسيير منذ سنة 1956. هي أعمال أدبية ولكنها تعالج تاريخ سياسي للمغرب في فترة حارقة ومفصلية، عن طريق سرد لمسارات الفاعلين ومجموعات سياسية. والمهم فيها هو المآل والمصير، التفكيك والفهم.
نعود ونتسائل، هل اعتقال “محمد الوحداني” والحكم عليه بالسجن سنة كاملة هو حدث عادي؟ هل هو حدث عابر ؟ أعتقد أن الجواب سيكون قطعا، لا. إذن لماذا الصمت والنسيان عن قضية هذا الرجل؟ وإدراجها قسرا ضمن العاديات. إنني أوجه الجميع وأدعو كل ايت باعمران بجميع فرقائهم وجمعياتهم ونحلهم ومللهم إلى تحليل الوضع جيدا، قراءة الحدث قراءة سياسية عميقة، في زمنه البنيوي وسياقه العام. لأنه حدث يدخل ضمن مسار يهم حاضر ومستقبل المنطقة.
سجل التاريخ، ويُسجِّل أن”محمد الوحداني” دخل السجن مرتين من أجل آيت باعمران، بسبب انخراطه في العمل السياسي ومواقفه في كثير من القضايا، وتشبثه بحرية الرأي والتعبير والتفكير. ولا أعتقد أنه في المستقبل سيتخلى عن النهج والمسار. لأنه هو خلق من أجل ذلك، ومن الصعب جدا العودة في منتصف الطريق. ولأصحاب المنفعة وضعاف النفوس، ومحترفي سياسة “قتل الأب”، فسبب كتابة هذه السطور ليس هو ناتج عن العاطفة أو لدواعي شخصية. فلم أكن يوما حين كان الوحداني رئيسا على بلدية افني، أدق بابه من اجل رخصة بناء، ولا لطلب اسمنت أو بنزين ووو…. بمجرد أنه كنا معا فيما قبل، نطوف الشوارع احتجاجا، أو كنا نتقاسم لحظات في اجتماع معين … بل أكثر من ذلك كنا بمعية أشخاص آخرين نراقب الوضع من بعيد ونواكب تجربة المجلس البلدي في مرحلة ما بعد الانتفاضة، ونسجل انتقاداتنا وأفكارنا ونعبر عنها بحرية.
نرسل هذه الإشارات، لنؤكد أن قضية الوحداني يجب أن تتجاوز الشخصنة. لأن محاكمته هي محاكمة سياسة، واعتقل لأنه يتمتع بكاريزما قل نظيرها لدى آيت باعمران وما شابهها من مناطق الهوامش. والمنطقة في حاجة إلى مثل هؤلاء. الوحداني هو صاحب فكرة، يتقاسمها مع عدد كبير من الناس، يعبر عنها بطريقته كما يعبر عنها الآخرون بطرقهم الخاصة. والأفكار لا تموت، بل تنمو وتتطور لاسيما إذا واجهها العنف والظلم.
نتأسف للأجواء الجديدة التي غدا الناس في ايت باعمران يستأنسون بها، أجواء يطغى عليها التشفي والمؤامرة، وترسيخ ثقافة نشر الغسيل. وإن كانت هذه الطبائع والنوازع طبيعية في التنافس السياسي، إلا أن استحضار المنهاج العقلاني والتحليل الموضوعي لواقع ملموس، يفرض علينا الترفع عن كل ما من شأنه تسفيه تضحيات المناضلين في سبيل تنمية حقيقية وعيش كريم للمواطنين.
ولعلها مناسبة للتذكير بضرورة قراءة تاريخ النضال السياسي في منطقة ايت باعمران بما فيها تجربة جيش التحرير وما بعدها من سنوات الرصاص. ومن المفيد أيضا تتبع مسار بعض من الشخصيات المناضلة والسياسية التي تنتمي إلى هذه المنطقة. ولست في حاجة إلى ذكر الأسماء، وهي كثيرة جدا منها من تعرض للنفي والسجن وغيرها. وما الوحداني إلا حلقة ضمن هذه السلسلة الطويلة. وهي سلسلة ترتبط حلقاتها بتضحيات ودماء المناضلين سابقين ولاحقين، وتجسد روح الاستمرارية، ووفاء لتاريخ ايت باعمران.
محاكمة الوحداني هي محاكمة سياسية، تفرض على الجميع التضامن والمؤازرة، لا النسيان ولا النفاق. هي محاكمة تهم بالدرجة الأولى الفاعل الحقوقي والسياسي، وتطرح أمامه سؤال حرية التعبير والرأي. وهي هكذا؛ فإن قضية الوحداني حاضرة في كل فعل سياسي بمنطقة آيت باعمران بالرغم من تغييبها عنوة، حاضرة في الضمير، في اجتماع جمعوي، في مؤتمر حزبي، في بيان سياسي، في نقاش عام وخاص.
ارتفعت حرارة السياسة والحزبية مؤخرا، وستشتد حرارتها إلى درجات عليا في الصيف، استعدادا لموسم انتخابي خريفي… ولكل هؤلاء السياسيين والمتحزبين والمترشحين والمنتخبين والفائزين، ولكل هؤلاء الرؤساء والأعضاء والمستشارين المفترضين… أن يعرفوا ويتذكروا لعلهم يتفكرون؛ أن هنالك رئيسا سابقا لبلدية افني في السجن. اعتقل بسبب الرأي والموقف…
براءة “محمد الوحداني” وحريته هي البيان، والنسيان ظلم مزدوج
عبد الله بوشطارت.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

إغلاق