فاجعة «لانزاروتي»… تحقيق في صفحتين للزميل “محمد الشيخ بلا” بجريدة المساء

AA17

 

فاجعة “لانزاروتي” … حقيقة “جريمة” غرقت في بحر السياسة

لم يكن شباب سيدي إفني الذين رشحوا أنفسهم للهجرة السرية عبر قارب تقليدي بسيط ليلة الحادي عشر من شهر دجنبر من سنة 2012، يدرون بأن الأقدار تخبئ لهم أحداثا غير سارة، ولم يكونوا يعرفون بأن البحرية الإسبانية ستضع حدا لأحلامهم بالوصول إلى الضفة الأخرى، عبر مهاجمتهم بطريقة مباشرة أدت إلى تحطم القارب وانقسامه إلى نصفين، وسقوطهم إثر ذلك في عرض الأطلسي، على بعد كيلومترات قليلة من «بلاد الأحلام». 

بقلم  – جريدة المساء يوم 12 – 02 – 2015

التحقيق كما نشر بالجريدة

AA4 (1)
نقطة الانطلاق
غير بعيد عن مدينة سيدي إفني، قرر ثلة من شباب المنطقة خوض غمار الهجرة السرية، على أمل الوصول إلى مكان آمن يضمن لهم العيش الكريم في بلاد الإسبان، فلا البحر وظلماته القاسية، ولا مفارقة الأهل والبعد عن الأحباب والمقربين، كفيلان بكبح جماح الرغبة في الوصول إلى الضفة الأخرى.
ومن المعلوم أن جزر الكناري التابعة إداريا لإسبانيا في المحيط الأطلسي، تنقسم إلى مقاطعتين هما مقاطعة «سانتا كروث دي تينيريفه ولاس بالماس»، وتعتمد في اقتصادها على الزراعة والصيد والسياحة، كما تعتبر جزر الكناري من الأماكن السياحية المميزة صيفاً وشتاءً.
وليس غريبا أن قوارب الهجرة السرية، تنتعش بسيدي إفني والمناطق الشاطئية المحيطة بها في الشهر الأخير من كل سنة، بسبب استغلال شبكات التهجير السري لانشغال الإسبان بالاحتفالات المواكبة لأعياد الميلاد، وخاصة في ليلة رأس السنة الميلادية، حيث تصل الاحتفالات إلى أوجها بديار المهجر، ومن عادة التواقين للهجرة سرا اختيار هذه الأيام لتنفيذ خطتهم.
فعند منتصف الليل، انطلق المركب التقليدي، وسط صمت مطبق يخيم على المكان، فالجميع متيقظ وخائف من إفشال العملية ووأدها من المهد، ف»الأمل كبير والطريق طويل» يقول أحد الناجين من حادث الغرق، لكن وبحكم التجارب التي خاضها بعض المهاجرين السريين في أوقات سابقة، ظل المرشحون للهجرة يستمعون لرواياتهم المختلفة علهم يستفيدون من طرق تساعدهم على الاختفاء في جنح الظلام، والهروب من ملاحقات محتملة لأجهزة الأمن ببلاد المهجر، ففي الوقت الذي يستمع فيه البعض بتلهف لرواية ذوي الخبرة والتجربة في الهجرة السرية، ظل البعض الآخر شاحب الوجه، مترددا في خوض غمار الكلام، ومتلهفا للحظة الوصول إلى بر الأمان، بعيدا عن كاميرات المراقبة وأعين رجال خفر السواحل وأجهزة التعقب.
وما هي إلا ساعات في عرض الأطلسي، حتى لاحت أضواء الأمل في الوصول، واشرأبت الأعناق للضفة الأخرى، لكن الرياح جرت بما لا تشتهيه السفن، فرجال خفر السواحل رمقوا عبر أجهزة المراقبة حركة غير عادية في المكان، وما هي إلا لحظات حتى انطلقت الأضواء الكاشفة هنا وهناك، تبحث عن مصدر الحركة المريب، لتكتشف قاربا تقليديا يقترب من شاطئ «لانزاروتي»، وهنا ارتفعت الأصوات المنادية بالتوقف عبر مكبرات الصوت، في محاولة لمنع المركب من الوصول إلى الشاطئ، ليفاجأ المهاجرون باصطدام مباشر أربك حركة السير، وقسم المركب إلى نصفين، سقط معه المهاجرون في عرض البحر، قبل أن يظهر البعض منهم على سطح المياه، ويختفي البعض الآخر في لغز حير الجميع.

AA5
محاولات التملص
يحكي الناجون الذين التقتهم «المساء» بسيدي إفني، أجواء اللحظات الأولى التي رافقت حادث الاصطدام، ف»هشام بوتلامت» الذي خاض غمار التجربة للمرة الثالثة على التوالي، قال إن خفر السواحل تعمدوا الاصطدام بالقارب التقليدي رغم محاصرته وضبط مكانه بالأضواء الكاشفة، ولم تفلح – يقول بوتلامت– إشارات التوقف التي أطلقناها على متن القارب من منع وقوع الحادث، ساعتها –يضيف المتحدث- بدأ الصراخ في كل مكان، وحتى الإسبان صدموا من هول الحادث، وشوهد أحد ربان القارب وهو يضع يديه على رأسه، في محاولة لاستيعاب ما حدث، لتبدأ بعدها عمليات الإنقاذ، بوسائل خاصة وفي جنح الظلام، حيث تم إنقاذ 18 شخصا، فيما اختفى 7 آخرون دون أن تفلح جهود الإنقاذ في الوصول إليهم، وبعد إلحاح المهاجرين السريين على ضرورة البحث عن بقية زملائهم، ظل الجميع بمرفأ «لانزاروتي» إلى ساعات الصباح الأولى، حيث نقل المصابون إلى المستشفى لتلقي العلاجات الضرورية، فيما تم اقتياد الباقين لمخفر الشرطة بهدف التحقيق.
وبعد انتشار خبر توقيف قارب للهجرة السرية، حاولت السلطات الإسبانية تبرئة ساحتها من الحادث، فمارست نوعا من التعتيم الذي أدى – حسب أسر المهاجرين – إلى تضارب الأنباء بخصوص أسباب الحادث، وحينها أفادت مصادر بأن غرق القارب الخاص بالمهاجرين السريين نتج عن اصطدامه المباشر بقارب للشرطة (لانشا) مخصص للنجدة ومراقبة السواحل، فيما تحدثت مصادر أخرى عن كون حادث الغرق جاء نتيجة فقدان السيطرة على المركب بعد محاولة هرب فاشلة للطاقم المشرف على قيادته، كما أن عددا من أبناء سيدي إفني المقيمين بجزر الخالدات منعوا في البداية من طرف السلطات المحلية من دخول مكان وجود المهاجرين السريين، فيما تضاربت الأنباء بخصوص الأسماء التي كانت على متن القارب المحطم، والتي توجد بالمستشفى أو رهن الاعتقال، أو تلك التي في حالة فرار.

AA6
السماء ملبدة بالغيوم
ومنذ الوهلة الأولى لسماع خبر غرق القارب الذي يحمل على متنه 25 فردا من فلذات أكباد الأسر التواقة لغد مشرق لأبنائها، اختلط الحابل بالنابل، وارتفع الصراخ والعويل في سماء سيدي إفني، كما تحولت أجواء العديد من المنازل إلى سماء ملبدة بالغيوم، تعلوها الإشاعة والأقوال المتضاربة، فلا أحد يعلم حقيقة الواقعة، والمصدر الوحيد للمعلومة حينذاك كان هو القنوات التلفزية الإسبانية، التي تسمرت العائلات خلفها، منتظرة ظهور أية إشارة تؤكد مصير أبنائها، كما ارتفعت حرارة الهواتف النقالة، بين العائلات وسكان المدينة ومسؤوليها وأبناء أيت باعمران بمختلف البلدان الأوربية.
وقد أثار الشريط الذي عرض على نطاق واسع جملة من التساؤلات بخصوص حقيقة الحادث، خاصة وأنه قدم رواية مصورة ومخالفة للرواية الرسمية التي روجتها شرطة خفر السواحل الإسبانية، والتي نفت فيها أي علاقة لها بالحادث الذي أودى بحياة عدد من شباب المنطقة، محملة المسؤولية لسائق قارب الهجرة السرية، الذي اتهمته برفض الامتثال لدعوات الشرطة بالوقوف، نافية نيتها العمدية في دهس المهاجرين.
ويظهر الشريط الذي لا تتجاوز مدته ثلاث دقائق و45 ثانية، أن شرطة السواحل صدمت فعلا قارب المهاجرين السريين، وأنها لم تتخذ الاحتياطات المعمول بها في القوانين الدولية، خاصة وأن البروتوكول المنظم لعمل خفر السواحل ينص صراحة على استعمال الزوارق السريعة في مثل هذه التدخلات الأمنية بعرض البحر، كما يظهر الشريط جلبة على مركب شرطة السواحل، أعقبتها محاولات إنقاذ لعدد من المهاجرين الذي سقطوا في مياه الأطلسي.

AA7
ما رواء القضبان
وفي لقاء بإحدى أسر الناجين من فاجعة «لانزاروتي»، أوضحت والدة «عزيز زروال»، الموجود حاليا وراء القضبان بإسبانيا، أن يوم الثالث عشر من شهر دجنبر من سنة 2012، كان يوما أسود في حياتها، «فقد كنت أرتعد وأنا أتتبع الأخبار على التلفاز وشبكة الإنترنت، إلى أن تلقيت اتصالا هاتفيا من ابني، وهو يرقد بأحد مستشفيات «لانزاروتي»، بعد أن استعطف ممرضة ومنحته هاتفا خلويا للاتصال بي وطمأنتي ببقائه على قيد الحياة، وفي الوقت الذي رفض مدي بأي معطيات تفيد بوجود غرقى أو موتى، أخبر شقيقه بعدد من المعطيات الصادمة، فكان بذلك ابني أول من حرك الملف بوسائله الخاصة، وقدم رواية مغايرة لما روجت له إسبانيا»، وتضيف الأم التي تتقن الحديث بالإسبانية «إنني فخورة بابني، الذي يبحث دائما عن حلول للمواقف الحرجة التي يتعرض لها».
أما هشام، شقيق زروال، فشدد في لقاء مع «المساء» على أن قضية «لانزاروتي» لا تهم أسر المفقودين الستة فقط، بل تهم المعتقلين والعائدين إلى أرض الوطن، فهي كل لا يقبل التجزيء، مضيفا أن «المعتقلين الثلاثة، وهم عزيز زروال، وجامع أبودرار، وعزيز ياسين، كانوا مهددين في البداية بعقوبات سجنية تصل إلى ثماني سنوات، قبل أن يظهر شريط الفيديو المصور بعدسة سائحة بريطانية، وهو الشريط الذي أماط اللثام عن كيفية وقوع الجريمة المتعمدة»، واستطرد هشام قائلا إن «مسؤول البحرية الإسبانية ب»لانزاروتي» معروف بسوابقه في الاعتداءات المباشرة على المهاجرين، بهدف ترهيب الراغبين في الهجرة وتخويفهم من المصير الذي ينتظرهم»، فيما ختمت والدته القول إن «ابنها والمعتقلين الآخرين أحيلوا قبل شهر على أنظار المحكمة الإسبانية، التي تمسكوا فيها بأقوالهم»، لتناشد بعد ذلك جميع المؤسسات بالتدخل لإطلاق سراحهم باعتبارهم مظلومين»، تضيف والدة زروال.

2068931315206893
أحياء أم أموات
من جهة أخرى، وخلال رحلة البحث عن الحقيقة، فوجئت أسر الضحايا والمفقودين بإرسالية لدى القيادة الجهوية للدرك الملكي بسرية كلميم، توصلت بها من قيادتها العامة، تفيد بأن ستة أشخاص من ضحايا القارب الذي صدمته البحرية الإسبانية، تم إنقاذهم أثناء الحادث، وهم لا زالوا على قيد الحياة، كما تشير المراسلة التي أعدتها السفارة المغربية بإسبانيا عبر ملحقها العسكري، إلى أن الأمر يتعلق بثلاثة شبان بسيدي إفني، وهم على التوالي صدقي نور الدين، وجهاد زوايكة، وعبد العالي الهرجاني، فضلا عن رضوان بولال الذي يتحدر من منطقة «اصبويا»، واثنين آخرين يتحدر أحدهما من جماعة تالوين بإقليم كلميم واسمه «رشيد أميدان»، فيما لم يعرف عنوان المسمى «حسن المهندس»، وكان لافتا أن الإرسالية المذكورة، لم تتضمن أية معلومات عن حالة المفقودين الستة والمكان الذي يوجدون فيه.
وبمجرد وصول الخبر إلى أسماع الأسر المكلومة، شد المعنيون الرحال إلى مدينة كلميم للتأكد من صحة الأنباء الجديدة، لكن جميع الاستفسارات المقدمة لأجهزة الدركبكلميم لم تخلف صدى طيبا لدى الأسر، بل زاد الأمر تعقيدا لديها، فكيف يعقل –يقول هشام بوتلامت- أن يكون المفقودون أحياء كل هذه المدة، ولا يبادر أحدهم بالاتصال بأهله لطمأنتهم على الأقل بوجوده على قيد الحياة.
من جهته، قال والد المفقود «جهاد زوايكة» إنه توجه إلى مقر الدرك الملكي بكلميم بمجرد سماعه لخبر الإرسالية «ووجدت اسم ابني في أول اللائحة، وبعد أن تلوا علي الرسالة المؤرخة في الواحد والعشرين من شهر مارس 2013، واجهتهم بقولي إن زملاءهم في الهجرة عادوا توا لمدينة سيدي إفني، وكلهم يؤكدون خبر وفاتهم، فكيف يبقون على قيد الحياة لمدة تزيد عن سنتين دون أن يظهر لهم أثر، أو يعمد أحدهم إلى الاتصال بعائلته»، واستطرد زوايكة قائلا وهو يغالب الدموع «إن ابني لم يكن ينقصه شيء أثناء وجوده بالمدينة، فقد كان يعمل نادلا بإحدى مقاهي حي الكاطع، كما كان دائم التواصل مع أقرانه، ولديه حساب بنكي، وفي الوقت الذي كان يستعد فيه للهجرة لم نكن على علم بالأمر، فقد دبر الأمر رفقة أقرانه مخافة وقوفنا ضد رغبته في الهجرة السرية»، أما الآن فلا نريد – يقول زوايكة- إلا وثائق مثبتة للوفاة حتى لا تتعرض مصالح أشقائه للضياع»، أما أحمد الهرجاني، والد المفقود عبد العالي الهرجاني، فظل خلال حديثه ل»المساء» يردد عبارة يشدد من خلالها على ضرورة معرفة مصير ابنه، فإن كان ميتا، فعلى المعنيين تسليمه جثة الابن لإكرامها بالدفن، وإن كان حيا فعليهم تحديد مكانه»، يقول الهرجاني.
أما عمر الصادقي، الموظف المتقاعد ببلدية سيدي إفني، ووالد المفقود «نورد الدين الصادقي»، فأوضح أن «القضية أخذت بعدا خطيرا، وأصبحت محط تداول لدى قنوات دولية عديدة، فالدهس تم بطريقة وصفها ب»الوحشية والهمجية، التي لم يسبق أن عرفها تاريخ الهجرة السرية»، مضيفا أن «الإسبان تعاملوا بعنصرية منقطعة النظير مع أبنائنا، وقد وجهنا مراسلات عديدة لعدد من المؤسسات، نبتغي من خلالها مساعدتنا على الوصول إلى الحقيقة، لكن دون جدوى»، واستطرد الصادقي قائلا إنه «تم أخيرا إخبارنا بأن المفقودين الستة لازالوا على قيد الحياة دون إخبارنا بالمكان الذي يوجدون فيه، الأمر الذي جعلنا في حيرة من أمرنا، فمنذ وقوع الفاجعة ونحن نعيش في صدمة نفسية خطيرة، كما نظمنا وقفات احتجاجية أمام عمالة سيدي إفني وأمام البرلمان، مع العلم أن وزارة الخارجية تتابع الملف، وجلالة الملك يتابع القضية بشكل شخصي حسب بلاغ بثته وسائل الإعلام السمعية والبصرية»، ونحن – يضيف المتحدث- لا نريد من كل هذا إلا معرفة المكان الذي يوجد فيه أبناؤنا المفقودون وفلذات أكبادنا، كما نريد رد الاعتبار معنويا وماديا لأسرنا المكلومة، ونطالب الحكومة المغربية بالضغط على نظيرتها الإسبانية للكشف عن المصير الغامض للمفقودين».

AA9
الحكرة … وأشياء أخرى
وارتباطا بالموضوع، اتهمت أسر المفقودين السلطات الإسبانية بمحاولة التستر على القضية، بهدف إبعاد أي احتمال حول مسؤوليتها في الحادث، مشيرة إلى أن المعاناة تفاقمت كثيرا لدى أهالي المفقودين، بعد أن تعذر عليها التشطيب على أبنائها في سجلات الحالة المدنية، وطالبت الأسر المكلومة من حكومة المملكة استغلال التقارب المغربي الإسباني في الكشف عن مصير الضحايا، ومتابعة المتورطين في الحادث، وتعويض الأهالي، فضلا عن تقديم اعتذار رسمي في الموضوع، وتسهيل الدولتين معا للإجراءات المسطرية الكفيلة بإعداد وثائق الوفاة.
وشددت الأسر في بيانات لها، على ضرورة مطالبة الحكومة المغربية بالوفاء بوعدها، والالتزام بالبيان الذي أصدرته عقب نشر شريط الفيديو الذي فضح الأطروحة الإسبانية، والتي كانت تدعي من خلالها أن الحادث نتج عن عطب ميكانيكي، في الوقت الذي تعرض فيه القارب لحادث عنصري متعمد من طرف خفر السواحل الإسبان، مشيرين إلى أن «الألم يعتصر قلوبهم، بسبب عدم تلقيهم لأية تعزية أو مواساة من الجهات الإقليمية أوالمركزية، الأمر الذي زاد من معاناتهم وأشعرهم ب»الحكرة» على حد تعبيرهم.

203277lanzarotte-252671746203277
حلول نسبية
من جهتها، تأسفت الجمعية المغربية لحقوق الإنسان بسيدي افني لعدم ظهور أي حقيقة بخصوص مصير مفقودي «لانزاروتي»، قائلة إنه وبعد مرور أزيد من سنتين على الحادث لم تتحرك الجهات المسؤولة محليا ودوليا ولو ببلاغ أو مراسلة للمعنيين بغية توضيح مآل ملفهم ومسار التحقيق ونتائجه، باستثناء تصريحات الخارجية والقنصلية المغربية باسبانيا ومراسلة الاتحاد الأوربي ومؤسسة الوسيط باسبانيا في بداية الأمر، واستطرد رئيس الفرع الإقليمي قائلا إن «هذا السكوت المريب لم يفاجئنا كحقوقيين باعتبار أن هذه السياسة معهودة في كل الملفات التي تتابعها الجمعية سواء على مستوى ملف الهجرة أو الصحة أو التشغيل أو السكن أو الاعتقالات السياسية»، مشيرا إلى أن «شباب المنطقة لم يقرروا ركوب قوارب الموت من أجل المغامرة وتحدي الصعاب، بل كان هدفهم الأساسي هو البحث عن فرص عمل لتغيير واقعهم الاجتماعي المزري»، محملا المسؤولية لما أسماه ب»دولة الانطلاق» في توفير العيش الكريم والعدالة الاجتماعية والحق في الشغل الذي تضمنه كل المواثيق الدولية، كما تتحمل عناصر خفر السواحل الإسبانية المسؤولية، بسبب عدم احترامها للحق المقدس في الحياة، فالمسؤولية مشتركة بين الدولتين في الكشف عن حقيقة هذه الفاجعة وعن جثث الضحايا وتعويض العائلات وإطلاق سراح المعتقلين في السجون الاسبانية كحل نسبي لهذا الملف المنسي في دهاليز الدولتين في أفق تحقيق الكرامة والعدالة الاجتماعية».

AA8
الرواية الرسمية والغموض المستمر
لم يقتصر التضارب في الأقوال، والغموض في حقيقة الحادث، على أسر الضحايا والمعتقلين والمفقودين، بل تجاوزه لبعض المؤسسات الرسمية، التي لم تتوصل بالمعلومات الكفيلة بطي صفحة هذه القضية من نظيرتها الإسبانية رغم اتصالاتها المتكررة، ففي مراسلة جوابية لوزير الشؤون الخارجية السابق، على سؤال للبرلماني المعزول محمد عصام، أوضح المسؤول الحكومي أن «الوزارة تابعت مأساة إغراق قارب المهاجرين المغاربة السريين من طرف الحرس المدني الإسباني، قرب سواحل «لانزاروتي بلاس بالماس»، وأجرت عدة اتصالات مع الجهات المختصة لتتبع تطورات وملابسات هذه الحادثة التي نجا منها 18 شخصا، عاد منهم 11 شخصا إلى المغرب، بينما أودع ثلاثة آخرين في السجن بتهمة الهجرة السرية، وثلاثة بمركز القاصرين، فيما بقي واحد في حالة سراح مؤقت، أما المتوفي فقد تكلفت الحكومة بنقل جثمانه إلى المغرب.
واستطرد وزير الشؤون الخارجية السابق قائلا إن «القنصل العام للمملكة ب»لاس بالماس» قام بزيارات متكررة للمهاجرين بالمستشفى للاطلاع على أحوالهم والاطمئنان عليهم، كما قام بزيارة القاصرين في مراكز اعتقالهم وتقديم المساعدة اللازمة لهم، علاوة على عقد عدة لقاءات مع السلطات المختصة ومندوبة الحكومة الإسبانية ب»لاس بالماس»، فضلا عن المطالبة بتمكين القنصلية من جميع المعطيات حول الحادث، وتسهيل إيصال المساعدات إلى المحتجزين، كما تم استقبال عائلة المتوفي في الحادث، والتكفل بمصاريف نقله إلى المغرب.
وفي ثنايا جوابها، اعترفت وزارة الشؤون الخارجية، بكون التسجيل المصور لحادث الاصطدام، قدم تفصيلا جديدا في القضية، قامت على إثره الوزارة باستدعاء السفير الإسباني بالرباط، بناء على تعليمات ملكية، حيث تمت مطالبته بتقديم كافة المعلومات المرتبطة بالقضية التي تحظى باهتمام المغرب، ملكا وحكومة وشعبا – يقول الوزير- كما تابع القنصل أوضاع الناجين، ومنحهم ما يحتاجونه من ألبسة وأغطية، وزار القاصرين الثلاثة في مراكز اعتقالهم، كما أجرى الاتصالات اللازمة مع القاضي الإسباني المختص، لتعيين ثلاثة محامين قصد دعم الدعوى القضائية التي رفعتها أسر الضحايا.
وأكد الوزير أن السلطات الإسبانية ألقت القبض على المسؤول عن تنظيم عملية التهريب الذي كان ضمن المهاجرين السريين، وتباشر تحرياتها لمعرفة ما إذا كان الأشخاص الستة المعلن عن فقدانهم على قيد الحياة، والقضية معروضة أمام القضاء الإسباني في مراحلها الاستئنافية، كما كشفت وزارة الخارجية عن وجود توجه نحو اللجوء إلى المؤسسات الأوربية ذات الصلة، في حال استنفاذ جميع درجات التقاضي أمام المحاكم الإسبانية المختصة.
من جهته، أكد وزير الداخلية الإسباني أن الحكومة المغربية اقتنعت بالتفسيرات الإسبانية المتعلقة بفاجعة «لانزاروتي»، نافيا وجود أية نية عمدية في الحادث، وأضاف «خورخي فيرنانديث دياث»، أن حكومة بلاده قدمت للسلطات المغربية كامل المعطيات والوثائق حول الفاجعة، كما أكد في رده بمجلس الشيوخ على سؤال للنائب الاشتراكي انطونيو تريفين، أن السلطات المغربية اقتنعت بالتفسيرات الكافية التي توصلت بها في هذا الشأن، كما أن حادث الاصطدام لم يكن متعمدا، وإنما يعود إلى خلل تقني في نظام الدفع والتحكم في محرك سفينة الحرس الإسباني».

AA10
على سبيل الختم
لعل المتتبع لقضية ضحايا ومفقودي ومعتقلي فاجعة «لانزاروتي» يدرك بما لا يدع مجالا للشك، أن القضية تحمل في طياتها أبعادا سياسية واجتماعية خطيرة، الأمر الذي يفرض إعادة التحقيق في الحادث الذي يلفه الغموض من كل جانب.
 

 نشر في المساء يوم 12 – 02 – 2015

         AA11    AA16 hqdefault Jan13007 Jan13009 Jan13010 scan10

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

إغلاق