احذروا من الاستعانة بالمشعوذين لعلاج الأمراض النفسية 

الشعوذة

من طبيعة الإنسان أنه لما يصاب بأي مرض أو أي تغير أو اضطراب فإنه يحاول إيجاد الحلول والشفاء، وهذا أمر طبيعي لمعرفة أسباب الإصابة وكيفية الخروج منها بصحة وعافية. 
فالمجتمعات الغربية تعتمد على العقل أي على العلم لتفسير الظواهر مهما اختلفت، وفي كل المجالات وعلى الخصوص الأمراض الباطنية والنفسية، أما المجتمعات المتخلفة الجاهلة فاعتمدت منذ القدم على الشعوذة واستغل أصحابها ضعاف العقول الذين يثقون في أي إنسان وخصوصا إذا كان شريفا أو فقيها، وتحت هذا الغطاء اجتمع الكثير من المحتالين، ليستحوذوا على عقول الناس ويسلبوا أموالهم ويتسببوا في تدهور أوضاعهم المادية والصحية، فليس هناك مدينة أو قرية بالمغرب إلا وجد أشخاص يسمون أنفسهم فقهاء أو شيوخ يتلبسون وراء هذه الأقنعة للاستحواذ على عقول الأبرياء، ومازلت أذكر قصة تعرضت لها شخصيا بحيث كان أحد الشيوخ بمدينة مرتيل يدعى وتعربت، وكان شيخا عمره ثمانون سنة، وكانت كل القرية تعتقد أن هذا الشخص يزيل الأزبال من العيون، ومن طبيعتي أني لا اعتقد إلا بعلم الطب الحديث وكنت في السنة الثالثة من الطب، وعندما جلست مع هذا الشيخ وحوله الكثير من النساء والأطفال وهو يزيل لهم الرمال من أعينهم دهش الناس مما رأوه وقالت لي امرأة : « سلم تسلم « أي من الجنون وكان يومئذ يقول كلاما ليس له أي أساس من الصحة، بحيث أخبر الناس أن القلب يوجد بالمعدة وأن سر العلاج الحامض في العيون وكل كلامه كان افتراء وكذبا، وعلمت أنه فعلا نصاب، وحتى أتيقن من ذلك أعطيته عيني لأشجع الناس على ما فعلت حتى يتأتى لي معرفة طرقه الشيطانية، وفعلا أزال الوسخ من عيني وتقدم آخرون وعندئذ شددت الرقابة عليه فإذا به يأخذ الرمال من تحت جلبابه ويكوره بلسانه ويدخله في أعين الناس ثم يخرجه بطريقة سريعة وشيطانية، وأخبرت الناس بما حصل، وكنت أود أن أضربه أو أقبض عليه، لأنه بعد انصرافه الكل كان يتألم لأنه أدخل الرمال في أعيننا، وكل ما يقوله وما يقال بالقرية ما هو إلا كذبا وافتراء بل عمل خطير يمكن أن يؤدي إلى الكثير من الأمراض بأعين الناس.
فالقصص كثيرة إلا أنني أكاد أرى عدة حالات يومية ممن استحوذ عليهم وسرقت أموالهم من طرف مجموعة من المحتالين والمتلاعبين بصحة الناس وأموالهم، بل أكثر من ذلك الكثير من القنوات السمعية المشهورة بالدار البيضاء أو بمدن أخرى تأتي بهؤلاء المشعوذين لأنهم فقهاء لا يقومون إلا بالرقية الشرعية، بل فيهم من له علاقة مع معالجين أطباء وبعض الفقهاء الذين يقومون بالرقية عبر جهاز الراديو بدون استحياء ولا خوف من القانون.
وإليكم قصة إحدى المريضات:
عندما كلمناه هاتفيا لنعرف كم أجرته قال لما آتي عندكم أخبركم بذلك فأخذ منا أثناء الحصة الأولى 600 درهم والثانية 700 درهم والثالثة 1000 درهم.
وكان يضربنا بحزامه قائلا: أخرج أيها الجن كان يضربني ويخنقني حتى ظننت أني سوف أموت، ويقول لي «أنت مسحورة فيك التوكال ويرشني بالماء». وكان يقرأ على إخوتي كذلك ويقول « أنت لابد أن تسمعي ما أقول «
كان يوهمنا بأن الجن ساكن فينا.
يقرأ علينا القرآن ويقول «عزرائيل ساكن فيك»، تلقينا منه سوء المعاملة التي لم نتلقاها أبدا من أبينا « وكان يوصينا بأن إخراج الجن هو العلاج الحقيقي.
هذه المريضة تعاني من حالة اضطراب في المزاج بمعنى أن هناك تقلبا في مزاجها، كما أنها شخصية إيحائية « SUFFSTISE « تعتقد بكل ما تسمع وترى وبذلك قال لها « لا بد أن تسمعي ما أقول « .
وأخطر من ذلك ألبسها اعتقادات خاطئة وخطيرة، وقال لها بأنها مملوكة من طرف ملك الموت، فأصبحت تخاف ليلا ونهارا وبدأت تصلي الفجر وكل الأوقات وغيرت لباسها وهي تعيش في حالة من الهلع والخوف تنتظر ساعتها ولا يعلم ذلك إلا الله جلت قدرته. فالكثير من الناس لا يعلمون شيئا ونظرا لجهلهم يستحوذ عليهم الفقهاء المجرمون لأن الاستحواذ على العقول وأخذ أموال الناس بالباطل حرام شرعا وقانونيا وهو شكل من السرقة المسموح بها بمجتمعنا وهؤلاء الفقهاء المجرمون لهم شهرة في وسائل الإعلام السمعية على الخصوص « الراديو « يقدمهم على أساس أنهم فقهاء محترمون.
وجل هذه الحالات التي يتطرق إليها المشعوذون هي حالات نفسية معقدة لا يستطيع أن يفهمها إلا المتخصصون في الطب النفسي. وعلى سبيل المثال نسمع بالكثير ممن يسقطون ويركلون بأرجلهم وأيديهم مثل: حالات الصرع التي تفسر في أغلبها على أنها حالات مس من الجن فتضرب وتعنف وتخنق أحيانا لأن الجن يتكلم بلسانها، وكل ذلك في الأصل حالات هيستيريا لها علاقة وثيقة بأسباب نفسية في أغلب الأحيان .
وفي بعض الأحيان قد تكون حالة صرع لها علاقة بسرطان في الدماغ أو أسباب عضوية أخرى تستدعي العلاج بشكل إسعافي.
أحد المرضى نظرا لتأزم أوضاعه النفسية وكذا الاضطرابات في تصرفاته العامة، ظن أهله أنه ربما مصاب بسحر أو عين وأخذه بعض أصدقائه إلى فقيه، لعل الرقية تخرج ما فيه من الجن أو السحر وفي الطريق أخذ السكين وقتل صديقه العزيز وجرح الآخر جروحا خطيرة، هذه القصة الحقيقية تفسر لنا مدى خطورة الأمر أحيانا، فالمصاب كان يعاني من مرض الفصام المزمن الخطير مع هلاوس سمعية وبصرية ويعتقد أن الناس أعداءه، وبذلك حاول أن يدافع عن نفسه وقتل بدون أن يعلم .
ولو عالجنا هذا المريض لما تأزمت حالته ولما أقدم على القتل بدون أن يعي ما يفعل، والحالات كثيرة وخطيرة. فهناك عدة جرائم قتل وقعت في البيوت وراءها في كثير من الأحيان حالات مرضية تستدعي العلاج.
وددت من خلال ما أظهرت لكم أن أوضح أن الكثير من هذه الحالات لها علاقة بأسباب نفسية وليس لها علاقة لا بالجن ولا بالسحر، وأن الذين يدعون أنهم فقهاء ما هم إلا مشعوذون مجرمون يستلزم القبض عليهم وعلى أعوانهم.
كما أرجو أن لا تثقوا بهؤلاء المشعوذين لأنهم يحاولون الاستحواذ على عقولكم للنصب عليكم واخذ أموالكم وتعطيل فرص العلاج عليكم.
ثم إن الإنسان المسلم لا وسيطة له مع الخالق، فيمكنك أن ترقى إلى ربك والاستعانة به بدون أي إنسان آخر وبذلك قال تعالى « ادعوني استجب لكم « وقال كذلك « وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداعي إذا دعاني «.
فبينك وبين الله لا يوجد إنسان آخر ولا تحتاج إلى مشعوذ يستغلك ويعبث بك.
محسن بنيشو
 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

إغلاق