إقليم سيدي افني يحتاج إلى إعادة الإعمار

 إفني

إخفاء ــ الرؤية الاقتصادية لسيدي افني ما بعد حرب 1957 وماثلاها من أزمة تفكيك هو ما يبرر الاختفاء وبكون المسألة الاقتصادية ثانوية في سيدي افني أمام «المؤامرة الامبريالية» من جهة، وأمام «الاستبداد الوحشي» من جهة أخرى، إلا أنّ ذلك لم يمنع ظهور بعض المبادرات الفردية غير أنها لا ترقى إلى مستوى الرؤية الاقتصادية خاصة بعد أن اتضح أن سياسية الدولة المغربية كانت ترتكز على تهجير أبناء المنطقة قسرا سوى في الحملة المشهورة ب “موغا” لاعمار فرنسا أو إلى بلدان أوربية أخرى ، من هنا ومن هناك، أصبحت ساكنة الإقليم بعد خروج الاسبان خارج الحكم والتدبير ، تقتات من عائدات الهجرة دون أن تكون هناك إعادة اعمار المنطقة بعد حرب ضروسة دامت 5سنوات على الأقل وتم إعارة “سانتكروز” للمغرب لدواعي سياسية لايتسع المقال لذكرها في اتفاق فاس 1969 ، لتطرح الحكومات المتعاقبة على المغرب بعد ذلك ، رؤيتها لاقتصاد المنطقة ما بعد الأزمة تحت مسمى «مشروع التهميش الممنهج »، الذي طرحته «حكومات الأحزاب الإدارية » التابعة للحكومات المتعاقبة على حكم المغرب بما فيها المعارضة من بعدها، والتي أدراها عبد الرحمان اليوسفي واليوم بن كيران . ويستند « التهميش الممنهج » من حيث جوهره إلى “المدرسة المخزنية” الليبرالية في الاقتصاد وفي إطار مقاربة ” المغرب النافع” والمغرب غير النافع ” وهي في العمق أطروحة سياسية تعتمد على ثنائية “بلاد المخزن” و”بلاد السيبا” ، ومن الناحية النظرية تبدو في المحافل الدولية الممثل الشرعي للمناطق المحسوبة على “بلاد السيبا” تحت مظلة دولة المؤسسات ، ومن حيث التطبيق فإنها تستند على الإقصاء ، من الاستفادة من قروض على دفعات من البنك الدولي و التي وصلت إلى المليارات دولارات دون أن يكون لها تأثير إلا على “المغرب النافع” أو بلاد المخزن على الأصح ، وهي مشروطة باستكمال تحرير التجارة والخصخصة، وبرفع الدعم كلياً وإنهاء دور الدولة في السوق، وبتشريعات تسمح للاستثمارات الأجنبية باستقدام ما يصل إلى 40% من عمالتها من خارج المغرب ، إضافة إلى سياسات ضريبية شديدة التساهل مع الاستثمار الأجنبي. ولعل أهم الإجراءات بهذا الخصوص هو ما أقدمت عليه حكومة بن كيران من اتقال كاهل المغاربة بالديون و يراه الكثيرون في تبريراته «أسطوانة مشروخة»، تخدم مصالح الفئات المسيطرة المحسوبة على “بلاد المخزن” والذي يعاكس صوت الأغلبية المسحوقة من «بلاد السيبا ».
إن ماتعيشه افني وعلاقتها بالدولة ليس إلا صورة الصراع بين الشمال والجنوب كما كان سابقا في الولاية المتحدة الأمريكية منذ منتصف القرن السابع عشر ، أي مابين 1865 وحتى 1877، وهي الأعوام التي تميزت بالحروب الأهلية وبعدها حصل تحول في أقاليم الجنوب التي عانت من العنصرية واحتكار البيض في الشمال للسلطة، وظل الجنوب راكدا ويعاني بشكل كبير من الفقر وتوقف المحاصيل الزراعية وهيمنة الديمقراطيين دو البشرة البيضاء ، وإعادة استخدام العنف والترهيب والتميز العنصري وهو ما ينطبق اليوم على ساكنة اقليم افني التي عانت من التسلط والترهيب وسيطرت المخزن على دواليب القرار والتحكم في الثروة
اليوم حكومة بن كيران لم تعد تحترم الغالبية العظمى في المغرب ولا مناطقه المهمشة ، ورغم ذالك يتجرءا رئيس الحكومة الحصول على المزيد من القروض دون الخوف من شروط البنك الدولي ، وهو ما يجعل الأنظار متجهة نحو هذا الصندوق وغيرها من الصناديق المخصصة للدعم المرتبطة بالقوى الخارجية، فسيدي افني في ظل كارثة الفيضانات أصبحت خلالها منطقة منكوبة مادام أن البلاغ الرسمي الوحيد للنكبة بسبب الفيضانات يجمعها بمنطقة كلميم المنكوبة باعتبارها تنتمي إلى جهتها الاقتصادية ، وهو ما يجعل استقالات ممثلي السكان تطالب بأعمارها الشامل ، ولان الواقع يقول إننا لا نستطيع الإعمار من دون قروض ، ولكن الواقع يقول أيضاً إن القروض لا تأتي دون شروط. ويقول أن «البنك الدولي» ليس المقرض الوحيد، . كما أن مقولة أساسية هي أنّ «أفضل القروض الخارجية هي أقلها سوءاً»، والتعبير هو للباحث الاقتصادي في جامعة «غرونوبل» الفرنسية، وعضو حزب الإرادة الشعبية، وبأنّ التمويل الأساسي يجب أن يكون داخلياً من خلال وضع اليد على جزء من مقدرات الفساد المتراكمة، إضافة إلى التركيز على القيم المطلقة الكامنة في قطاعات عديدة غير مستثمرة بعد. وإذ يرى أنّ الحاجة إلى الاقتراض لا يمكن إنكارها كلياً، فإنه يثبت أن حلقة احتكار التمويل من قبل الدائرة الغربية قد تم كسرها فعلاً عبر مقرضين جدد على رأسهم الصين التي تعتمد على الإقراض العيني الملموس بالتصنيع، وبشروط أفضل بما لا يقاس من شروط الإقراض الغربي.
يبدو أنّ تنمية سيدي افني منذ سنة 1969 إلى اليوم ، لن يتحقق بغير تقييد اقتصادي عبر إعادة الإعمار يحدد المستقبل اللاحق لعاصمة الصحراء. بالمقابل فإنّ إرادة أمازيغ الصحراء للحرية وللعدالة وللتخلص من كافة أشكال القمع المباشر ، والاقتصادي غير المباشر، لن تجد طريقها إلى التحقق بسهولة، فالأعداء كثر وأكثرهم شراسة حسادنا، والمعركة الاقتصادية التي جرى تأجيلها طويلاً تدقّ الآن طبولها قبل أي وقت مضى مادام أن سيدي افني تطل على المحيط الاطلنتي.

بقلم عمر افضن

افضن

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

إغلاق