الدولة تتحمل المسؤولية في نكبة الفيضانات

واد أدودو

    الدولة تتحمل المسؤولية في ما حدث من نكبة الفيضانات ..تبرئة الدولة غير أخلاقي واستغباء للناس…

صحيح أن كمية التساقطات المطرية التي تهاطلت على بلادنا تبدو استثنائية في إطار التحولات المناخية التي يعرفها المغرب والتي جعلت الخبراء يعتبرونها القاعدة كالأستاذ سعيد قروق أستاذ علم المناخ بجامعة الحسن الثاني بالدار البيضاء و المرشح لنيل جائز إنشتاين للعلوم ، وهو ما يفرض على المغرب ضرورة التغيير الجذري لبنياته التحتية حتى تواكب الوضع المناخي الجديد ، بحيث تتولى مكاتب متخصصة تهيئة تصاميم تراعي المستجدات والتغييرات ، فمعلوم أن تصور التصميم المديري أو تصاميم التهيئة لها علاقة باعتبار المناخ وكمية التساقطات على الخصوص ، ولأضرب لذلك مثلا : في تيزنيت يوجد شارع “فوق الواد” أو “إكي واسيف” وهو شارع تم تعبيد مجرى الوادي فيه بعد مده بقنوات صرف جد ضيقة ، بمعنى أن البلدية لم تقم سوى برفع مجرى السيل إلى الأعلى وهو ما تسبب في كارثة عام 1986 وتكررت هذه السنة 2014 مرتين في فيضانات أهلكت ممتلكات الناس لأن السيول ببساطة تبحث عن مجراها ولا تجده في قنوات ضيقة فتوسع على نفسها ، ورغم أن الجماعة الحضرية لتزنيت  جعلت ضمن مخططها الجماعي للتنمية حماية تيزنيت من الفيضانات ، ومكافحة خطر الفيضانات وحماية الأشخاص منها وهو ما حدد في فترة الإنجاز : 2012-2014 ، لكن ذلك باء بالفشل وهو ما دعى مستشاري البلدية لإعادة النظر في اتفاقية التدبير المفوض لمرفق التطهير السائل المبرم مع المكتب الوطني للماء الصالح للشرب بسبب عدد من المشاكل المتعلقة بموضوع تدبير مرفق الصرف الصحى بتيزنيت الذي تشوبة عدة خروقات حالت دون تحقيق الأهداف المسطرة في دفتر التحملات أبرزها معاناة سكان المدينة عند سقوط الأمطار مع الفيضانات و الروائح وافراغ الحفر وضعف البنيات و التجهيزات, و انعدام البالوعات و قنوات الربط مع شبكة التطهير ثم غياب مراقبة الأشغال الخاصة بالانجازات و انعدام الصيانة وأشغال مد القنوات تتم بطريقة عشوائية وهو ماعجز عنه المجلس البلدي !

إن الكارثة لذلك ليست مرتبطة بأمطار نعتت في الإعلام العمومي وفي بيانات كثير من البلديات بأمطار الخير ، أو هي غيث إن شئنا التدقيق اللغوي ، بل الكارثة هي في غياب بنية تحتية مستقبلة وفي انعدام قنوات الصرف ، ما أدى لمصائب على مستوى قطع طرق غير لائقة وقناطر هشة صادقت عليها الدولة وسمحت بتشييدها  ! ونفيد القاريء الكريم بأن من الأوراش الكبرى لوزارة التجهيز والنقل ، البرامج الطرقية التي تتمحور حول الصيانة والمحافظة على الرصيد الطرقي وضمنه إصلاح أضرار الفيضانات على الشبكة الطرقية ، ومعلوم أن الوزارة ترصد لذلك أغلفة مالية بملايين الدراهم ، كما ترصد ملايين الدراهم لإنجاز الدراسات التقنية للمشاريع الطرقية ومراقبة إنجازها في القطاع الطرقي ، كما تتبنى الوزارة برنامجا للطرق القروية يمول بشراكة مع الجماعات المحلية بنسبة 15 %ومن أجل رصد الإعتمادات اللازمة لهذا البرنامج، تم إنشاء صندوق التمويل الطرقي سنة 2004 وحسب الوزارة فإن هذا البرنامج يرمي “إلى تحقيق أهداف الحكومة في توسيع عملية فك العزلة عن العالم القروي نظرا للدور الفعال الذي تلعبه الطرق القروية في تقليص فقر الساكنة القروية” ! فهل نجحت الوزارة في ذلك ؟ نترك تقدير المسألة لمواطني العالم القروي الذين يعانون هذه الأيام من عزلة تامة نتيجة طرق مغشوشة وقناطر جرفتها السيول أو هدمتها !

نؤكد مرة ثانية أن التساقطات هي غيث وليست كارثة طبيعية ، أما الكوارث الطبيعية التي نسمع عنها فلا أرى الله المغاربة أيا منها : أعاصير الولايات المتحدة ، تساقطات مطرية تبلغ آلاف الملمترات في آسيا وأوربا وأمريكا ، صقيع قاتل ، تسونامي ، براكين وزلازل ..ولا أريد أن أتصور وقوع أي منها بالمغرب ، فلا يعقل أن يكون المغرب في مشكلة مع الجفاف وفي مشكلة مع تساقطات غيوث الخير ، والسؤال الذي يطرح لماذا سوس ماسة درعة وكلميم تضررت أكثر من غيرها من التساقطات ؟ واضح أن البنية التحتية لا تلائم الوضع الجديد..

وقعت كارثة انهدام منازل بعدد من مناطق سوس خاصة قرية تمكدشت ، لم لم تستبق السلطات تلك الكارثة من خلال إجراء دراسة تقنية لتلك المنازل وتحذير الساكنة منها قبل وقوع الكارثة والبحث عن وسائل كفيلة بتجنيبهم النكبة ، ومادمنا نعبر عن التضامن ، والمغاربة أهل تراحم وتضامن على الأقل وفق ما تحتفظ به ذاكرتنا ، نهيب بجمعيات تافراوت أن تبحث عن سبل وكيفيات إنفاذ عمل خيري يقضي بترميم بيوت الناس ، أليس الناس أولى بتلك الملايين التي تصرف على مهرجانات جعلت من تافراوت ما لا يمث لذاكرتها وأصالتها بصلة ، وجعلت منها بلدة شهيرة يتفاجأ كل من يزورها لفقرها وانعدام أبسط المرافق فيها ؟ إني معجب حقا بالفاعليات الإحسانية لبعض أبناء المنطقة ممن أنعم الله عليهم ، لكن على ما يبدو تريد جهات معينة أن تستفرد بهم ، بدل تشجيعهم على عمل خيري لن يرفضوه حتما . إن تراخيص البناء تمنحها الجماعات المحلية التي تتولى مراقبة البناءات ، فلم يرخص لبناءات عشوائية لاتستجيب للمعايير ؟

أخيرا أقول للقاريء الكريم ، لست منتميا لأي حزب سياسي يسبح في فلك معلوم ، ولا أنتمي لجمعية ولا لأي جماعة أو جهة ،ولا يشرفني ذلك ، إنما أنتمي لجماعة الإنسان ، ولست أهتم كثيرا بأن تتحمل الدولة مسؤولياتها أو لا تتحملها ، لكني أرجو يوما أن نكون في ظل دولة الإنسان ، فهي وحدها الكفيلة بتحقيق نهضة حضارية تضعنا في مصاف أمم الأرض ، أما والقناطر تجرفها السيول والطرق تقطعها وتفسدها والبيوت تتهاوى على الناس ، والجثامين تحمل في شاحنات أزبال ونحن في 2014 ، فحقيق بنا أن نعزي أنفسنا ، ومن شاء بعد ذلك أن يتملق لجهة معينة ، فله ذلك وكل يسأل عن اختياره ، ولي عودة إلى ذات الموضوع باستفاضة بعد جمع الصور والمعطيات عن عمليات تجلية وإنقاذ بدت فيها عنصرية المغربي لأخيه المغربي في إهانة جعلتنا نتأسف حقا لهذا المآال الأخلاقي ولاشك أن شاحنة الأزبال التي حملت جثامين ضحايا السيل الجارف بنواحي كلميم كانت العنوان الأبرز أو الشجرة التي أخفت غابة !

حفيظ المسكاوي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

إغلاق