روبورتاج بجريدة المساء : مالين الكرارس بتيزنيت

الباعة المتجولون 3

“رغم الحملات المستمرة، فإن ظاهرة احتلال الملك العمومي بدون موجب حق، ازدادت في الآونة الأخيرة بشكل لافت، بحيث أصبح هذا الملك المخصص لعموم المواطنين مجالا خصبا لمستغلين يجوبون شوارع وساحات المدينة لممارسة أنشطة غير منظمة، كما أصبح الاستغلال يشكل مضايقة للمواطنين بما يشكله من اعتداء على حق التمتع بمرور سليم وآمن في ظل الاكتظاظ، كما لم تراعى حرمات المساجد والمؤسسات العمومية التي أصبحت مداخلها وساحاتها أسواقا عشوائية تستغل من طرف الباعة الجائلين”.

بهذه الكلمات عبر المجلس الحضري لتيزنيت عن حجم الظاهرة التي تعاني منها المدينة، والتي أصبحت محط تجاذبات في الآونة الأخيرة، بين الباعة الجائلين وتجار الرصيف، أو ما بات يعرف بـ”مالين الكرارس”، وبين السلطات المحلية والمنتخبة التي قادت حملة شعواء ضد الظاهرة منذ الأيام الأولى التي أعقبت التغييرات الحاصلة في هرم السلطة بكل من باشوية المدينة والمقاطعات الحضرية التابعة لها.

بقلم : محمد الشيخ بلا

المشور

أعقد الملحقات

ولعل من أكبر الملحقات الإدارية التي تعاني من ظاهرة الباعة الجائلين وتجار الرصيف، ملحقة المشور، التي تتواجد في قلب المدينة، وتعتبر من أكبر الملحقات الإدارية بها، حيث تكتظ جنباتها وطرقاتها الرئيسية والثانوية بالعربات المعرقلة للسير، والمسببة في انتشار الكثير من الظواهر الغريبة عن المدينة، من قبيل السرقة بالنشل والتحرش وغيرها من الظواهر المسيئة لسمعتها وجماليتها، فضلا عما يقع بساحة المشور وزنقة الحمام، وشارع سيدي عبدالرحمن، من انتهاكات صارخة ومتواصلة للملك العمومي، وبذلك استحقت الملحقة وصف “أعقد الملحقات” الإدارية بالمدينة.

الباعة الجائلون

التجار أيضا غاضبون

وارتباطا بالموضوع، طالب عدد من تجار مدينة تيزنيت، بإيجاد حل سريع لظاهرة “الباعة المتجولين” المنتشرة بمختلف الأحياء بالمدينة القديمة، وخاصة بشارع سيدي عبد الرحمان المتواجد بقلب المدينة العتيقة، والذي يستقطب المئات بل الآلاف من ساكنة المدينة وغيرها من الزوار الأجانب من مختلف الجنسيات، وقال التجار بأن الظاهرة أصبحت مؤرقة لهم بشكل لا يمكن السكوت عليها، كما انتقدوا ما أسموه بـ”الحلول الترقيعية” التي تواجه بها، والمتمثلة في قرار سابق بتحويل مكان “السويقة” إلى منطقة باب الخميس بجانب السور العتيق على سبيل المثال، دون أن تعمد السلطات المعنية إلى تهيئتها بما يساعد الباعة المتجولين على الاستقرار بها وتوظيفها كفضاء قار لكسب قوت اليوم.

وفي نفس السياق، طالب التجار بتنفيذ التوصيات الصادرة عن اللقاءات الموسعة بين الجمعيات والتنظيمات الممثلة للتجار، وعدد من ممثلي السلطات المحلية والمنتخبة، كما طالبوا بالإسراع في إحداث أسواق تناوبية تتنقل عبر المناطق الملحقة ببلدية تيزنيت، وخاصة بمناطق “دوتركة، تامدغوست، وبوتاقورت”، مشددين على ضرورة إحداث أسواق جديدة بحي النخيل وحي ليراك، وتفعيل الدورية الأمنية الدائمة المكلفة بالسهر على احترام الأماكن المخصصة لباعة الرصيف، ومطالبين في الآن نفسه بضرورة إحصاء الباعة المتجولين وتحديد هوياتهم، وتحسيسهم بأهمية برنامج رواج 2020، والعمل على تثبيتهم بالسوق الأسبوعي للمدينة، على أساس تنظيم لقاءات تواصلية مع كافة الباعة المتجولين وإشراكهم في إيجاد حل واقعي يحفظ حقوقهم وحقوق الجميع.

كما طالب التجار بتنظيم مناطق بيع النعناع وإحداث فضاء مناسب لهم، مؤكدين التزامهم بالدفاع عن مصالح العاملين بقطاع التجارة بكافة الوسائل القانونية، والتزامهم بمتابعة ملف تجار الرصيف دون إغفال بقية المشاكل،  كما دعوا المجلس البلدي والسلطة المحلية بمختلف أجهزتها إلى التعجيل بتنفيذ مضامين التوصيات المتفق عليها، وتحمل المسؤولية في معالجة الإشكالات العالقة.

وكان التجار قد انتفضوا في وقت سابق ضد السلطات المحلية في نسختها السابقة، عقب قيامها بجولات ميدانية مباغتة ضد المحتلين للملك العمومي، وإقرارها غرامات مالية في حق المخالفين من تجار المدينة القديمة، ومصادرة عدد من السلع المعروضة أمام بعض المحلات التجارية وخاصة في الأسواق المحاذية لساحة المشور (سوق الباشا، سوق أقشوش، زنقة المحكمة القديمة، زنقة الحمام…)، وأقدم التجار حينها على إغلاق محلاتهم التجارية احتجاجا على ما أقدمت عليه السلطات، متجهين جميعا صوب مقر باشوية وبلدية تيزنيت، حيث نددوا بطريقة تدبير ملف الملك العمومي، ومنتقدين في الآن نفسه ما أسموه بـ”تغاضي” هذه الأخيرة عن احتلال الباعة المتجولين لشوارع المدينة دون حسيب أو رقيب، في مقابل التضييق على التجار الذين أثقلت المصاريف الكثيرة كاهلهم وأرغمتهم على إخراج السلع بأمتار معدودة في سبيل جلب المزيد من الزبناء، وطالبوا بترسيم الحدود عبر السماح لهم باستغلال جزء من الفضاء العمومي بشكل قانوني وأداء مستحقاته للمصالح المالية المختصة، كما طالبوا بتوفير الأمن في الأسواق المحلية ومحاربة بعض الظواهر المشينة بساحة المشور التاريخية على وجه الخصوص. 

ودعا التجار السلطات المحلية إلى القيام بواجبها والخروج من حالة الحياد السلبي الذي تمارسه تجاه هذه الظاهرة التي تزداد استفحالا وتُلحق أضرارا فادحة بالقطاع التجاري المنظم، محملين إياها كامل المسؤولية في تردي الوضع الاقتصادي بالمدينة، كما دعوا كافة التجار والمهنيين للتضامن من أجل الدفاع عن مصالحهم بجميع السبل القانونية ومن ضمنها الاحتجاج بعد استنفاذ كل وسائل التواصل والحلول الناجعة مع السلطة المحلية، والتي وصلت – يقول المحتجون – إلى الباب المسدود، معتبرين أنه “لا قيمة لمحلاتهم التجارية أمام هذا الانتشار المذهل للظاهرة الجديدة”.

الباعة الجائلون

البلدية تخرج عن صمتها

من جهته، خرج المجلس البلدي لمدينة تيزنيت عن صمته، حينما تعرض محمد إيديحيا، النائب السابع للرئيس، لاعتداء من قبل أحد الباعة الجائلين أثناء مشاركته شهر أكتوبر الماضي في إحدى الحملات الميدانية المحاربة للظاهرة، معربا عن استنكاره للحادث الذي وصفه بالشنيع، ومنددا بالعنف الممارس ضد عضو مكلف بصفة قانونية بمحاربة الظاهرة بمعية لجنة مختصة، كما أشار أعضاء اللجنة المكلفة بالتخطيط والشؤون الاقتصادية والميزانية والمالية، إلى أن بعض الحوادث المتعلقة بالعنف اللفظي الممارس على أعضاء اللجن البلدية المكلفة بتحرير الملك العمومي، تستدعي وقفة تقييمية لإرجاع الأمور إلى نصابها، وتحميل كل طرف مسؤوليته في هذا الصدد، كما طالبوا بضرورة تفعيل القرارات الجماعية الصادرة في إطار الشرطة الإدارية بخصوص الظاهرة، مؤكدين على أن ما يحدث في الساحة دليل على أن هناك فراغا في المواقف وفي التصدي للظاهرة من قبل كل المتدخلين، مشددين على ضرورة تفعيل الإجراءات القانونية الكفيلة بتأمين أمن وحياة أعضاء اللجنة المكلفة بتحرير الملك العمومي.

وفي ذات السياق، أشار تقرير صادر عن المجلس الحضري لمدينة تيزنيت إلى أن الأخير بادر منذ سنة 2004 وبإجماع أعضاءه إلى الموافقة على اتفاقية شراكة بين البلدية ووزارة الصناعة والتجارة والمواصلات لأجل تثبيت الباعة الجائلين وإنعاش المقاولات الصغيرة، حيث كانت الاتفاقية موقعة ضمن إطار البرنامج الوطني لتثبيت الباعة الجائلين، وفقا للدورية المشتركة حينها بين وزارة الداخلية ووزارة التجارة والصناعة، والحاملة لرقم 159 بتاريخ 1 نونبر 2002.

وعلى إثرها قدم المجلس الحضري عدة ملتمسات لمديرية الجماعات المحلية بوزارة الداخلية، طالب خلالها بتثبيت الباعة الجائلين بفضاء السوق الأسبوعي بتيزنيت، الأمر الذي سيمكنهم من خلق ظروف أفضل لممارسة الأنشطة التجارية، كما التمسوا من المندوب الإقليمي لوزارة التجارة والصناعة دعم مقترح إحداث مركب تجاري لتثبيت الباعة المعنيين وإنعاش المقاولات الصغيرة، لكن الملتمسات المقدمة منذ سنة 2005 ظلت حبيسة الرفوف رغم تكرارها على المسؤولين المتعاقبين على تدبير شؤون القطاع بالإقليم والجهة والوطن.

وبغية إيجاد حلول تساهم في توفير شروط أفضل لنظافة المدينة وراحة وسلامة سكانها، حاولت البلدية إقرار العديد من المواقع الكفيلة بتوطين “مالين الكرارس” لكن جميع المحاولات باءت بالفشل خاصة بالموقع المحاذي للسور الأثري المتواجد خارج باب تاركا الذي لم يتم تهييئه لاحتضان مثل هذه الأنشطة، والموقع الكائن بمنطقة سيدي بوجبارة الذي رفضه الباعة الجائلون، وموقع آخر قريب من ملعب المسيرة والمحافظة العقارية لتيزنيت، الذي تراجعت عنه السلطات المعنية رغم تحديد وترقيم الأمكنة المخصصة لكل بائع.

الباعة المتجولون111

محاضر و أرقام لا طائل من وراءها

ومما لا شك فيه، أن جميع الحلول المقترحة والملتمسات المقدمة للجهات الوصية، أصبحت مجرد أرقام ومحاضر لا طائل من وراءها، كما لا تساهم في معالجة الظاهرة واستئصالها من جذورها، بل أفرزت الكثير من المظاهر السلبية والمؤثرة على الفضاء العمومي وجمالية المدينة.

ولعل من أهم الانعكاسات السلبية التي أشار إليها تقرير البلدية، انتهاك حرمات الطرق العمومية المخصصة أساسا لمرور السيارات والدراجات النارية والعادية، حيث تسببت الوضعية المفروضة في العديد من حوادث السير،   علاوة على التأثير السلبي على حركية السير والجولان بالمدينة، وعلى سيولة وانسيابية المرور بالعديد من المحاور والعديد من الأزقة والساحات، فضلا عن احتلال الأرصفة التي تضمن المرور السليم والآمن لمختلف الفئات العمرية بما في ذلك المسنون والأطفال، إضافة إلى عرض المواد الاستهلاكية في ظروف غير صحية تمس بالوقاية الصحية والبيئية ولا تستجيب لمعايير الجودة والسلامة المطلوبين، الأمر الذي يعرضها للتلف والتسمم وإلحاق الأذى بالمستهلكين، كما تكون المواد المعروضة مجهولة المكونات والمصدر وغير حاملة لتاريخ الصلاحية في الكثير من الأحيان.

ويشير ذات التقرير إلى انعكاسات أخرى من قبيل تلك المرتبطة بمنافسة التجارة المنظمة بشكل غير شريف، وهو الأمر الذي كان مثار احتجاج من قبل الجمعيات المهنية بالمدينة، علاوة على إتلاف الممتلكات العامة والمآثر التاريخية للمدينة، حيث تعرضت أسوار وأبراج المدينة لاعتداءات كثيرة، من قبيل إزالة الأحجار والحفر المتعمد والكتابة على الجدران، زيادة على الأضرار التي تلحق بقنوات الصرف الصحي والأشجار والنباتات، وما لذلك من انعكاسات مباشرة على البيئة واعتداءات على أعمدة الإنارة العمومية وعلامات التشوير وعموم ممتلكات السكان المجاورين لأماكن تواجد باعة الرصيف، فضلا عن المشاكل الأمنية المتمثلة في استحالة التدخلات الاستعجالية لعناصر الأمن والوقاية المدنية، إضافة إلى انتشار الظواهر المشينة من قبيل النشل والتحرش وتفاقم الأزبال والنفايات.

بلدية باشوية1

قرارات معطلة

إلى ذلك، حاولت البلدية بما لديها من قوة تقريرية إصدار مجموعة من القرارات التنظيمية الكفيلة بإيجاد الأرضية القانونية للقيام بالتدخلات اللازمة والكفيلة بالحد من الظاهرة، لكن معظم القرارات ظلت معطلة وغير ذات جدوى، ومن القرارات المعنية قرار صدر منذ سنة 2013 يقضي بمنع بيع الخضر والفواكه والمواد الغذائية بشوارع وأزقة وأرصفة المدينة، كما صدر في نفس السنة قرار آخر يقضي بمنع إحداث واستغلال مستودعات لتخزين وإنضاج فاكهة الموز بالمحلات والدور السكنية لتيزنيت، الذي كان يروم استئصال ظاهرة بيع الفواكه بواسطة العربات من خلال استهداف المزودين والمستودعات المزودة لهم، إضافة إلى قرار آخر لم ير النور رغم صدوره منذ سنة 2010، والمتعلق بمنع وسائل نقل البضائع من استعمال هذه الوسائل للبيع بالتجوال بالمدينة.

وقد تساءل العديد من المتتبعين للشأن المحلي، عن مصير قرارات المجلس البلدي المتعلقة بمحاربة مستودعات الخضر والفواكه داخل المدينة القديمة، فضلا عن قرار بمحاربة ظاهرة طهي الموز بواسطة مادة “الكاربون” لما تشكله من خطر على صحة الساكنة، علاوة على قرار بمنع بيع الخضر والفواكه على العربات وبقارعة الطريق، علما أن القرارات المذكورة أشرت عليها السلطات الوصية، لكنها ظلت إلى حدود اليوم حبيسة الرفوف، ومجرد حبر على ورق، كما تساءل المتتبعون عن مصير البرنامج التحسيسي الخاص بالمحافظة على النظافة بالمناطق التجارية بالمدينة الذي وعدت به جمعيات التجار، وخاصة بشارع سيدي عبد الرحمن الذي أصبح محط تجاذبات سياسية في الآونة الأخيرة.

احتجاج بائع متجول

سلاسل “غوانتانامو” ودجاجة العيد

إلى ذلك، لم يبق الباعة المتجولون مكتوفي الأيدي تجاه المحاربة غير المسبوقة لنشاطهم بشوارع المدينة، بل حاولوا الاصطفاف وراء جمعية خاصة، وتوحيد مطالبهم الاجتماعية، كما شارك بعضهم في اللقاء الوطني بمدينة بني ملال، الذي أسفر عن تأسيس تنسيقية وطنية للباعة الجائلين تعمل على جمع شتات المعنيين بمختلف التراب الوطني تحت شعار “يا فراشة المغرب اتحدوا”.

وفي شكل احتجاجي جديد، وفي مظهر غير مألوف بمدينة تيزنيت، خرج “ياسين الحميني” الملقب بـ”مول الكروسة”، والمعتصم منذ عدة أسابيع أمام عمالة الإقليم، متجولا بأزقة المدينة مرتديا لباسا برتقاليا شبيها بلباس معتقلي “غوانتانامو” (السجن الأمريكي الشهير)، ومكبلا نفسه بالسلاسل والأغلال، وحاملا يافطات تتضمن شعارات ملخصة لأسباب احتجاجه بهذه الطريقة.

وفي جولاته اليومية التي تتبعها العديد من سكان المدينة، اختار “مول الكروسة” التجول بالأزقة والشوارع المأهولة، وذلك بهدف الضغط على المسؤولين لإيجاد حل لقضيته، التي يطالب من خلالها بإرجاع عربته المحملة بالأدوات المدرسية، وتعويضه عن الأضرار التي لحقته منذ دخوله في الاعتصام المفتوح أمام العمالة.

كما حمل صورة للبوعزيزي، مفجر ثورات الربيع الديموقراطي، مهددا بسلك نفس المنهج الذي سار عليه البوعزيزي حينما أحرق نفسه أمام الملأ، بسبب الحكرة ومصادرة السلطات لمصدر رزقه الوحيد، معتبرا نفسه محتجزا في سجن كبير بعد قطع مصدر رزقه، بعد إسقاطه للجنسية المغربية عنه، وعارضا نفسه للبيع بعد أيام من عرض أسرته بنفس الطريقة، ومؤكدا إصراره على انتزاع حقه بشتى الطرق رغم التجاهل الذي جوبهت به مطالبه الآنية والمستعجلة.

ومعلوم أن «ياسين الحميني»، قضى يوم عيد الأضحى لهذه السنة أمام مقر عمالة تيزنيت، حيث افترش الأرض والتحف السماء، مكتفيا بذبح دجاجة بمكان الاعتصام ومستغنيا عن أجواء العيد بين الأهل والأقارب، كما عرض أسرته للبيع، بعد أيام من إقدامه على التعري بشكل كامل أمام أفراد لجنة مختصة في محاربة ظاهرة احتلال الملك العمومي بتيزنيت، احتجاجا على مصادرة سلعته من قبل أفراد اللجنة المكلفة، ومعلوم أيضا أن عائلة “الحميني” كانت قد عرضت نفسها للبيع في أبريل الماضي، بعد احتجاجها آنذاك امام عمالة الإقليم إثر توقيف معيلها المعروف بالمدينة ببيعه لفاكهة التوت واشتغاله منذ مدة كبائع متجول، حيث تم توقيفه آنذاك أمام مسجد السنة، عقب دخوله في مشاحنات مع دورية للقوات المساعدة، اتهمه أحد أفرادها بنزع صدفة لباسه الرسمي، وهو ما أثار غضب الأسرة التي دخلت في اعتصام مفتوح، حاولت خلاله أجهزة الأمن والسلطة منعها بالقوة، قبل أن تدخل مع الأسرة في مفاوضات أفضت إلى إقناعها بضرورة انتظار قرار النيابة العامة في النازلة، وهو ما استجابت له الأسرة بعد مقاومة لمحاولات المنع من التعبير عن شكلها الاحتجاجي.

وفي بداية شهر شتنبر الماضي أقدم “مول الكروسة” على التعري بشكل كامل أمام أفراد لجنة مختلطة لمحاربة ظاهرة احتلال الملك العمومي بتيزنيت، احتجاجا على مصادرة سلعته من قبل أفراد اللجنة إثر حملة شديدة أطلقتها السلطات المحلية والمنتخبة، وقد وضع البائع المتجول أفراد اللجنة في موقف حرج، خاصة بعد تجمع المواطنين وسط ساحة المشور التاريخية، وهو ما اضطرها إلى استدعاء رجال الوقاية المدنية، لنقل المحتج إلى مستعجلات المستشفى الإقليمي لتيزنيت بغية تهدئته.

من جهتها، أعلنت الجمعية المغربية لحقوق الإنسان بتيزنيت، مؤازرتها للبائع المتجول في اعتصامه المفتوح، وطالبت السلطات المحلية بتحمل مسؤوليتها كاملة فيما ستؤول إليه أوضاعه وأوضاع عائلته أمام صمت الجميع وما سيفرزه اليأس من تداعيات تدخل في عداد المجهول، كما وجهت الجمعية الحقوقية نداء الى كل القوى الحية بالمدينة والإقليم من إطارات سياسية ونقابية وحقوقية وجمعوية، داعية إياها إلى التكتل من أجل “مؤازرة ضحايا التهميش الذي أصبح سياسة ممنهجة للدولة في بلدنا”، مضيفة أن “حالة ياسين الحميني تعرف نوعا من التردي بفعل حجز عربته اليدوية وسلعته من طرف السلطات المحلية، التي جعلته أمام وضع عسير بحكم أنه المعيل الى جانب والده لأسرته الكبيرة والصغيرة، وقد التجأ إلى الاعتصام أمام مقر العمالة بعد الحوارات التي أجرتها السلطات المحلية والتي لم تنته إلى حل عقلاني وعملي، كوسيلة وحيدة أتاحها الوضع القائم”، معربة عن استعداد المعتصم “للتضحية من أجل العيش الكريم”.

الباعة 2

عراقيل وإكراهات

في تقرير للمجلس الحضري لتيزنيت، حصلت المساء على نسخة منه، أقرت المصالح المنتخبة، بوجود مجموعة من الإكراهات التي تعرقل عمل اللجنة المكلفة بتحرير الملك العمومي، وهي اللجنة التي أسندت لها في المادة 49 من الميثاق الجماعي، مهمة تنظيم ومراقبة نشاط الباعة الجائلين في الطرق العمومية، ومن بين تلك الإكراهات مشكل السيارات والشاحنات التي تتخذ من جنبات الشوارع بشارع سيدي عبد الرحمان ومواقع أخرى مكاناً ونقاطا للبيع وتزويد عربات الباعة الجائلين بالسلع، حيث يصعب على اللجنة معالجة الظاهرة دون تدخل مباشر من المصالح الأمنية، علاوة على مشكل المستودعات المزودة لباعة الرصيف بالفواكه والتي صدر بشأنها قرار المنع والإغلاق، زيادة على إكراه آخر يتعلق بعدم اكتمال عناصر اللجنة وتوفر القوة العمومية اللازمة للتدخل وحماية الأعضاء من الهجمات البدنية واللفظية التي يتعرضون لها، وغياب عناصر الأمن الكفيلة بإنجاز المحاضر في حالة الهجوم وعدم استكمال مساطر متابعة المعتدين على أعضاء اللجنة، وعدم تحريك المتابعات القضائية في حقهم.

وفي سياق النقاش الدائر بين منتخبي المدينة، طالب أعضاء المجلس البلدي بتفعيل المراقبة الأمنية للمنازل المستغلة على شكل غرف منفردة، كما شددوا على ضرورة إحداث مستوقفات للدراجات العادية والنارية بالأماكن المقترحة من طرف اللجنة المعنية، علاوة على إزالة محتلي الملك العمومي البلدي بدون سند قانوني وخاصة بائعي الأواني الخارجية، مع ضرورة مراقبة احتلال الملك العمومي لأغراض البناء في العديد من أحياء الجماعة.

من جهته، أوضح محمد إديحيا، نائب رئيس المجلس البلدي أن التجربة أبانت على عدم جدية انخراط جميع المتدخلين في العملية، بل وانسحاب بعض الأجهزة المكلفة بالأمن، مشددا على ضرورة عدم السكوت على مثل هذه السلوكات التي تقتضي الضرورة اجتثاثها من منابعها، وخاصة لدى المزودين من أصحاب المستودعات. فيما طالب مستشارون آخرون بضرورة استحضار تجارب المدن الأخرى والاقتداء بها، وخاصة  منها تجربة ورززات والرباط والعيون التي نجحت في احتواء الظاهرة ومنعها من الاستفحال.

الباعة

مطالب متباينة

ظاهرة “مالين الكرارس” بتيزنيت وغيرها من المدن المعنية بها، تستدعي من السلطات العمومية والمنتخبة تحمل مسؤولياتها المؤسساتية في حماية تجار المدينة من جشع الباعة المتجولين، ومن يستغلون المناسبات الكبرى لتحويل الملك العام والخاص إلى شبه دكاكين، كما تستدعي في الآن نفسه مراعاة الوضع الاجتماعي للمشتغلين في تجارة الرصيف والباعة الجائلين، ومحاولة إيجاد توافق بين مطالب الطرفين بشكل يحفظ حقوق الجميع، ويعالج الاختلالات البنيوية والمظاهر غير الحضرية بالمدينة.

بقلم محمد الشيخ بلا – عن جريدة المساء عدد السبت والأحد 8 و 9 شتنبر 2014

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

اترك رداً على yoissef إلغاء الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

إغلاق