سيدي ايفني : النخلة التي لا تستفيد من ظلالها

بوشطارت

مَن يَزور مدينة افني وضواحيها هذه الأيام ، سيتعجب من حالة الجمود والركود التي تعيش فيها الأزقة والشوارع وباقي الفضاءات العمومية. المدينةُ فعلا منكمشة، صامتة، منهوكة. تبدو متعبة بعد انقضاء فصل الصيف الذي ينعشها ويدفئها بل يرهقها. بحلول فصل الخريف، تخرف المدينة، وتلبس جلبابها الصوفي وتنطوي على نفسها. كثافة الضباب الذي يهب إليها من جهة البحر، يثقل الحركية بها، ويعيدها إلى مسكنها على مقدم الجبل، كما يكثر من الرطوبة داخل البيوت، ويعطي لها فرصا اكبر للانزواء.
إذا كانت حتمية الجغرافيا تفرض على هذه المدينة ومن على شاكلتها، هذا النمط الموسمي القاتل، فلا بد للعقل البشري أن يفكر في سبل وإمكانية تكسير هذا الإيقاع الرتيب -الروتيني المميت. فصل الصيف في آيت باعمران ومدينة افني، هو بالذات فصل الحركية والرواج، المدينة يقصدها الباحثون عن البحر والهاربون من حرارة الشمس خاصة من المناطق الصحراوية والداخلية. وفي البوادي والمداشر، فموسم جني أكناري يعد الموسم الذي ينتظره الجميع، منه تعيش الأسر، ويتحرك الشباب والنساء، وتنتعش الأسواق. وما أن ينقضي الصيف حتى يعود الجمود.
هذه الرتابة المملة، وهذه الانتظارية القاتلة، تجعل الشباب وعموم المواطنين يقفون تائهين أمام الفراغ. أمام العدم، انعدام الفرص، انعدام الخدمات، انعدام الشغل، وبالتالي استحالة التفكير. التفكير في المستقبل، هنا يموت الأمل، أمل البقاء. أين المفر؟ الفئة الشابة التي يؤرقها أكثر البحث عن البديل، التي تحمل حرقة المستقبل، عادة ما تختار الرحيل ليس فقط عن المدينة وإنما عن الوطن، الهجرة عبر قوارب الموت، وكأنها تريد الحل الجذري وفي وقت قياسي. والفئة ما بين وبين، تختار الرحيل عن المدينة والمنطقة، إما شمالا أو جنوبا بحثا عن فرصة عمل. أما الفئة الأخرى وهي الأغلبية، فيبدو أنها مستأنسة بالوضع، أصيبت بخيبة أمل، ولا أمل لها في البحث عن البديل إلا الانتظار.
هكذا؛ والوضع مستمر. لكن إلى متى؟ في غضون السنوات القليلة الماضية، قاد هذا الجمود إلى وعي جماهيري غير مسبوق، أدى إلى اندلاع انتفاضات اجتماعية خالدة،،،، ساهمت في حلحلة الوضع، وأعطت بعض النتائج. وبعد مرور أربع سنوات على خلق عمالة إقليم سيدي افني، والتي كان الكثيرون يعتقدون أنها ستشكل أحد مداخل التنمية وإعادة هيكلة المنطقة من أجل الإقلاع. إلا أنه تبين أن الأوضاع ازدادت تفاقما، ولم يلاحظ الناس وعموم المتتبعين للشأن المحلي، ما كانوا ينتظرونه ويرجونه من هذا التقطيع الجديد.
في الحقيقة، من الصعب الاقتناع بالخطاب التقليدي الذي يفسر كل الأمور بالشكل العمودي، فعلا هناك تهميش من طرف الدولة لايت باعمران منذ زمان، ولكن لا بد من التفسير الأفقي وتحديد المسؤوليات هكذا. ما هي حدود المسؤولية للمسئولين الإقليميين والجهويين والمنتخبون في هذا الوضع الذي تعيشه المنطقة؟
لا أزعم أنني أمتلك عين الحقيقة، ولكن يبدو أن المسؤولين الذين يُعَيَّنون في المنطقة من أجل القيام بمهامهم، والذين ينتخبهم الناس، لا يعرفون للأسف الشديد قيمة تلك المسؤولية، وعادة ما تتحكم فيهم الذاتية والمصلحة الشخصية عوض العمل من أجل المنطقة وعموم الناس. رأى الجميع نتيجة الفترة السابقة لعمالة الإقليم، نتيجة الصفر، التي لا يريد أحدا تكرارها مع التجربة الحالية. ومازال الجميع يستمتع بكرنفال البهرجة والرداءة الذي تقدمه أغلب الجماعات القروية بالإقليم ومعها بلدية سيدي افني. ومؤسسات عمومية داخل الإقليم لا تقوم في الغالب بمهامها، وجلها كما في جميع المناطق تقتنص فرص الصفقات العمومية لإنعاش فسادها المبين.
إذن كيف يمكن الوصول إلى تنمية فعلية حقيقية لمدينة افني وايت باعمران، وحكامها ومسؤوليها، يعتبرون مدة عملهم في سيدي افني فسحة وعطلة للاستمتاع وتذوق طراوة الأسماك والرخويات البحرية التي تجود بها المنطقة وإرسالها للعائلة والأصدقاء. كيف ذلك؛ ونحن لا نعرف ماذا تقوم به مكاتب ومؤسسات الصيد البحري، ونجهل مصير وجدوى أشغال تهيئة وتوسيع الميناء التي بدأت منذ سنة 1980، لا تريد حتى أن تنتهي. كيف ذلك؛ والطريق الساحلي نحو المناطق الجنوبية وافريقيا غير متوفر؟ أما مجلس السياحة بالإقليم وإدارتها لم أسمع عنهم قط، لم يسبق لي متابعة حملة دعائية لفائدة المنطقة. لم نر مبادرة جدية لتشجيع واستقطاب الاستثمار بكل أنواعه نحو المنطقة. أكثر من ذلك فكل المشاريع التي تمت برمجتها وانطلاقها أعطيت لمقاولات استقطبت من مدن بعيدة في نية مبيتة لقتل المقاولات المحلية، وكذلك من أجل الاستفادة من هامش السمسرة الجاري به العمل في مثل هذه الصفقات. مؤسسات التكوين والمهن منعدمة، والبعض منها مبنية ولكنها مقفولة، تنهشها الرطوبة. أما ما يسمى زورا بالحي الصناعي، بُنْيانه أصبح مسكناً للبُوم.
أما بالنسبة لبعض المنتخبين فقد طوقوا المدينة بأسوارهم بفعل استيلائهم واغتصابهم لمعظم العقارات وأصبحوا وحوشا عقارية لم تبق لهم سوى الاستيلاء على مقبرة “سيدي علي افني”.
فعلا المنطقة تعج بالخيرات والمؤهلات والكفاءات، لكن لا تستفيد منها. هي جميلة، وساحرة، الجميع يريد استغلالها لا خدمتها، وتنميتها، وخدمة سكانها. كل مسؤول يصل إلى افني يصيب بجنون عشقها ويلهث أمام فرص الاستغلال وخدمة الذات واشباعها. فالتنمية اليوم أصبحت مفهوما شموليا، لا يجب مقاربته بالنظرة التقليدية المحضة، بسياسة الصدقات والتصدق على الجمعيات. أولا بجعل المؤسسات والإدارات العمومية بالقيام بمهامها، وثانيا البحث عن شراكات جديدة مثمرة وجدية مع المؤسسات المانحة الحكومية وغيرها، وإقناع مؤسسات الدولة بالاستثمار لأنها الوحيدة الآن القادرة بخلق مشاريع كبرى، عبر توفير الشروط الضرورية وخلق البنيات، ثم بعد ذلك يتم التفكير في إمكانية جلب رؤوس الأموال. لأن الهدف الأسمى هو تشغيل الشباب والنساء، هو الحصول على يوم عمل.
التنمية هي إعداد مجالي وتخطيط استراتيجي وأفق مستقبلي ينخرط فيه الجميع.
لابد وأن نمتلك بصيصا من الأمل، حتى نرى منطقة آيت باعمران ومدينة افني، محورا للمشاريع الكبرى، مجالا للاستقطاب وليس نقطة للطرد. افني تنتج الثروة ولا تستفيد منها، هذه مفارقة خطيرة يجب أن تذوب وسط إرادة حقيقية للدولة ومؤسساتها المختلفة.

بقلم عبد الله بوشطارت

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

إغلاق