الصحة بالمغرب.. مؤسسات مريضة «تقتل» زوارها

الصحة

فضائح وفظائع صحية/ إنسانية مسرحها مستشفيات عمومية ومراكز صحية أماطت عنها اللثام «كاميرات» أصحابه ا أناس عاديون وربما موظفون بها، حركتهم «الغيرة» فارتدوا عباءة المحقق والصحفي ليفضحوا ما يروج بداخلها، وليترجموا «بؤس» مرضى هم أقرب إلى «سجناء» وآخرون يفترشون الأرض وهم يئنون في صمت. بعض تلك المستشفيات أو المراكز الصحية «لفظت خارجا» مرضى بهذه الحجة أو تلك، وأمرتهم بالتوجه نحو مؤسسة استشفائية أخرى ودون أن ينقلوا على متن سيارات إسعاف عمومية وهم يجترون مرارة «طرد» هو في الأصل «وصمة عار» على قطاع الصحة في المغرب، وتشويه لصورة المغرب في الخارج.
«إهمال» و«إقصاء» و«لامبالاة» يدفع ضريبتها مواطن معلول دفعته الحاجة للجوء إلى المستشفيات العمومية ليبرأ من علة كسحت جسده بعدما عجز عن توفير علاج وعناية لنفسه بإحدى المصحات الخاصة التي تضع راحة المريض فوق كل الاعتبارات لأنه ببساطة «يدفع». فضائح نشر غسيلها على مواقع التواصل الاجتماعي وبنقرة أصبع ستتابع فضائح مثبتة بالصوت والصورة وستعرى لديك عورة قطاع «معلول» -على الرغم من مجهودات وبرامج وزارة الصحة- فمازالت الصحة في المغرب «مريضة» وفي حاجة إلى رعاية كبرى للشفاء من نقص حاد تعانيه على عدة مستويات، وجهود قصوى وبرامج «خارقة» حتى يتحقق حلم كل مغربي في العلاج بكرامة ودون أدنى «حط بإنسانيته» وحتى تختفي صور البؤس التي تعج بها الشبكة العنكبوتية من خلال أشرطة مسجلة تتهم جميعها وزارة الصحة المغربية ب»التقصير» و«إهمال» صحة المغاربة التي أضحت «أبخس بضاعة» وأصبحنا نسمع النمل «يعشش» في أجساد البعض منهم.
فأن يكون الولوج إلى المستشفيات من أجل إجراء عملية جراحية لاستئصال الزائدة أو «المرارة» ب«الواسطة» فهو أمر لا يمكن استيعابه، وأن تتدخل شخصيات نافذة لتغير من مواعيد العملية أو حتى الاستشارة الطبية، فيما تهمل ملفات مرضى آخرين يتم منحهم مواعيد طويلة الأمد قد تحل عندما يرحلون عن هذه الدنيا فهو أمر «غير مقبول « بالمرة.. وأن تفقد حامل جنينها بسبب الإهمال فهو إحساس مر، وأن يفقد الزوج مولوده وزوجته وتتبدل فرحته حزنا وألما لغياب طبيب فهو وحده يعلم طبيعة ذلك الإحساس. وأن يفقد المريض حياته بسبب غياب قنينة الأوكسجين فهو عار على وزارة تقول إنها حريصة على صحة المغاربة.
«المساء» من خلال هذا الملف ستسرد العديد من الحالات المرضية لأناس «قسى» عليهم القدر وابتلوا بأمراض مختلفة جعلتهم يطرقون أبواب مستشفيات وتدرجوا بها لكن الإحساس بالإهانة ظل يلازمهم، فيما الحسرة مازالت تمزق قلوب أقارب فقدوا ذويهم بسبب «إهمال» أمام مراكز صحية أو مستشفيات.. الألم إحساس صعب ومزدوج للمريض فهو يتألم عضويا بمرضه ونفسيا ب«سير وجي» و«جيب وجيب»، يقول قريب أحد المرضى ل«المساء».
حالات كثيرة لا تعد ولا تحصى، ضحاياها مغاربة قصدوا المستشفيات للعلاج فلم يجدوه ووجدوا بدلا عنه معاناة وأشياء أخرى.. وبعدما كانت تتم بعض هذه الفضائح في صمت لصعوبة وصول الخبر وبتسجيل يوثقه لسنوات تغير الحال اليوم وأصبح أسهل ما يكون فضح كل تلك الاختلالات من خلال خدمة الإنترنيت التي هي سيف دو حدين تفضح وتعين المسؤولين على اتخاذ إجراءات زجرية لترتيب جزاءات كل المخالفين وفتح تحقيقات مفصلة لأي حالة إهمال.
وزارة الصحة أقرت بأن كل الأشرطة التي تنتشر على مواقع التواصل الاجتماعي هي سيف حاد الجانبين، فهو يضعها في قلب الحادث وتفتح تحقيقات بشأنها فيما أنه يشوه صورة المغرب ويرسم صورة سوداوية عن الصحة في البلد لدى الدول الأجنبية، خاصة عندما تغيب عنه الموضوعية والحياد ويكيل اتهامات لموظفين أو مسؤولين قد لا تكون لهم أي يد في ما وقع. كما أكدت وزارة الصحة أن بعض المستشفيات والمراكز الصحية تعاني من اختلالات ومن نقص في الأخلاقيات.

الصحة 2
المراكز الصحية .. «أطلال» تعاني نقصا كبيرافي الإمكانيات والأدوية والأطر الطبية
فضائح تعري عورة القطاع الصحي وترسم صورة «سوداء» عن المنتسبين إليه قدر مواليد جدد أن تتلقفهم أيادي «غريبة» ليست لممرضات ولا مولدات ولا أطباء، وبأماكن «غريبة» ليست بقاعات توليد، بل إما على متن «طاكسيات» أو «بيكوب» أو في الشارع العام أو على أرصفة عارية ببعض المستوصفات…قد يكون الأمر متعلقا بقضاء وقدر، لكن هل يمكن للقدر أن يجبر أو «يطرد» سيدة حامل من المستوصف الصحي أو المستشفى وهي على وشك الوضع، بحجة أن وقت الوضع لم يحن بعد؟.. وهل للقدر أيادي «تبطش» وترتكب «أخطاء طبية فادحة» قد تكلف الفرد منا حياته أو قد تجعله رهين كرسي متحرك أو طريح الفراش أو..
ولادة في «هواء طلق»
ما كان يدور في خلد سعيدة (اسم مستعار) أنها ستكون يوما «بطلة» شريط فيديو «فاضح» لوزارة الصحة ستتناقله مواقع التواصل الاجتماعي وهي تؤرخ للحظة ازدياد مولودها بشكل «مهين» فوق رصيف عاري بمركز جمال بالحي المحمدي بالدار البيضاء. كان المشهد قاسيا إلى حد كبير.. بينما كانت في حالة مخاض لوضع جنينها داخل المركز الصحي الحضري، كانت عشرات الأعين تتابع المشهد عن قرب، وهي تصوره مستعملة هواتفها المحمولة.. الحامل لم تكن فوق سرير وثير بقاعة للتوليد وبمساعدة طاقم طبي بل على أرضية «باردة» وبفضاء مفتوح..كانت المرأة خجلى من نفسها وهي أشبه ب»بطلة في مشهد درامي» تجر عليها تلابيبها بعدما كان العشرات يتابعون ما سيحصل، فيما غاب «أصحاب البدل البيضاء». وضعت السيدة حملها وحيدة داخل قاعة الانتظار، سقط المولود أرضا وسط بركة دم ولم تجد الأم ومساعدة من أسرتها مقصا لقطع الحبل السري الذي يربط المولود بأمه، فيما تعالت أصوات مستنكرة لهذه الفضيحة وهي تطالب الأطر الطبية بالتدخل. هذه المشاهد الرهيبة التي نقلتها فيديوهات «غيورين» تعكس حالة البؤس التي يعيشها القطاع الصحي في المغرب. الوردي توعد باتخاذ إجراءات قاسية في حق من ثبت تورطه وفتح تحقيقا في الموضوع، وتشكلت لجنة خاصة، وبالفعل تم حينها توقيف ثلاث طبيبات وممرضة بالمستوصف الصحي المذكور على الرغم من أن الجميع أبعد تهمة التقصير عنه خوفا على منصبه، فيما ستظل هذه الحادثة عالقة في ذهن الأم سترويها حكاية لصغيرها عندما يشتد عضده رغم أنها لن تروقه.
ولادة قرب «ضاية» ماء
بسيدي المختار بإقليم شيشاوة وضعت امرأة مولودها بقرب «ضاية» من الماء بحكم أن الولادة تزامنت مع فصل الشتاء. المركز الصحي كان مغلقا، والأم كانت في وضع لا تحسد عليه. «محسنون» آزروا السيدة في محنتها ووفروا لها سيارة من نوع c15 حيث تم نقلها على وجه السرعة إلى مستشفى محمد السادس بشيشاوة من أجل إنقاذها وإنقاذ مولودها الجديد الذي كان يرتجف بسبب شدة البرودة. يبدو أن منطقة شيشاوة تتصدر قائمة المناطق المغربية الأكثر «مأساوية» فيما يتعلق ب»الإهمال» الطبي الذي تنجم عنه حوادث «مؤلمة» تسقط معها كل معاني الإنسانية وكرامة المواطن المغربي. بعض أبناء الإقليم يصفونه بالمنطقة «المنكوبة صحيا» بعدما سجلت به على التوالي العديد من الولادات التي تمت في الشارع ووسط تجمهر مكثف لمواطنين عوض غرف التوليد.
ولادة أمام مركز صحي
امرأة أخرى وضعت مولودتها قرب باب مركز صحي بضواحي مدينة الناظور، لم يتم استقبالها بالمركز فقد كان موصد الأبواب، وفق عائلة السيدة الحامل، حيث كشفت عن أنه لم يكن يوجد أي ممرض أو طبيب حينها داخل المركز . المرأة ظلت في حالة مخاض رفقة عائلتها أمام الباب لمدة تزيد عن أربع ساعات، دون أن تجد من يقدم لها يد المساعدة.
تدخلت بعض السيدات من دوار البركانيين وحللن محل مسؤولي المركز وقدمن المساعدة للحامل التي كانت تصرخ من شدة الألم، إذ تم ربط الاتصال بسيارة الإسعاف التي لم تحضر هي الأخرى لنقل الحامل إلى مستشفى بالناظور، مما اضطر إحدى السيدات إلى مساعدة الأم في وضع مولودتها في العراء، ولم تجد ما تنظف به صغيرتها التي كتب لها أن ترى النور في ظلام دامس أمام المستوصف وتحت الصقيع. الكل استنكر حينها هذا الحادث حيث تجمهر العشرات من السكان المجاورين بعد علمهم بالحادث وعبروا عن احتجاجهم أمام مقر المركز الصحي «المغلق» وغياب الطاقم الطبي قبل أن يقرروا الاحتجاج أمام المركز، بعد التنسيق مع الجمعيات الحقوقية فيما بعد، ضدا على هذا الإهمال الذي كاد يعرض أم ووليدتها للموت.
هذه المرة بجماعة أسيف المال التابعة لإقليم شيشاوة امرأة أخرى وضعت مولودها أمام باب المركز الصحي لمنطقة مجاط، بعدما كان المركز الصحي المذكور مغلقا، وهو ما أثار استنكار العديد من الجمعيات المحلية.
الحامل التحفت بغطاء رث وقبعت في ركن خارجي بالمركز، فيما تم لف صغيرها في كيس بلاستيكي. هذا كان حال الأم ووليدها بعدما قطعت عشرات الكيلومترات وهي تظن أن رعاية طبية ستشملها، غير أن الرعاية الإلهية فقط هي التي حمتها من كل مكروه هي وصغيرها. المرأة القروية نزفت دماء كثيرة، الأمر الذي زاد من خطورة وضعها الصحي. وأوضحت مصادرنا أنه بعد مرور أزيد من ساعة على الولادة حضر أحد الممرضين، إلى المركز الصحي لتقديم الإسعافات الأولية، بعد اتصال تلقاه من أحد رجال السلطة. الحادث أيضا تلاه استنكار واحتجاج عفوي أمام المركز على غياب الطاقم الطبي وشبه الطبي.
حامل تلد في سيارة أجرة
كانت الزوجة رفقة زوجها وسائق سيارة الأجرة من الحجم الكبير التي أقلتهما من المجال القروي ما بين الدروة وبرشيد، وطلب منه الزوج التوجه نحو مستشفى الحسن الثاني بقسم الأم والطفل بسطات بعدما اشتد ألم المخاض على الزوجة. بحث الزوج عن مخاطب بالمستشفى لنقل زوجته من السيارة، غير أنه عندما عاد هو والسائق تفاجئا بزوجته وهي تغرق في بركة دم، وأن مولودته سقطت تحت كرسي السيارة»، حينها. يقول سائق السيارة :»أنا وزوجها لم نجد أي مخاطب أو مسؤول يوليها الرعاية الضروريّة، وهذا رغما عن بحثنا لفترة فاقت النصف ساعة.. لقد تعالى صراخها واستلقت وسط السيّارة، حينها انتبهنا لبركة الدماء والمولودة قد سقطت تحت الكرسي». البحث عن أي إطار طبي أو شبه طبي لتقديم «إسعافات كيفما كان نوعها» استمر طويلا…طول الانتظار عجل بوفاة الرضيعة دقائق بعد أن رأت النور. غير بعيد عن سطات ببرشيد وضعت سيدة أخرى مولودها بسيارة للأجرة ليتدخل بعدها أحد الأطباء، حيث تم نقل المرأة هي ومولودها الجديد، إلى مصحة توليد النساء في المستشفى نفسه.
سيدة أخرى تتحدر من دوار «صالح» فرقة الكوايات وضعت مولودها بسيارة «خطاف» أمام المركز الصحي بسيدي المختار، بعدما وجدت أبواب هذا الأخير مغلقة وفي غياب المداومة الليلية لدار الولادة بالمركز المذكور. مصادر أكدت أن السيدة وضعت مولودها داخل سيارة «الخطافة» في ظروف جد صعبة خصوصا وأن المنطقة تعرف جوا باردا جدا في الفترات الممطرة، مما استوجب معه انتظار الأم لمدة إضافية فاقت الساعة، إلى حين التحاق المولدة بالمركز الصحي لإزالة مخلفات الوضع. العديد من الجمعويين بمنطقة سيدي المختار كانوا قد عبروا عن تنديدهم بالوضع الكارثي الذي يعيشه المركز الصحي، وعن نهج الجهات المسؤولة سياسة التهميش التي تطال المركز على جميع المستويات، خاصة أنه تجب مراعاة ظروف النساء الحوامل القادمات من القرى.
ولادة في «بيكوب»
اضطرت سيدة حامل باغتها المخاض إلى وضع توأمين داخل سيارة من نوع «بيكوب» أمام مستوصف مهجور بالجماعة القروية قطارة نواحي مدينة مراكش، بعدما تعذر عليها الذهاب إلى المستشفى. تمت الاستعانة بمولدة تقليدية من المنطقة (قابلة) من أجل مساعدة الحامل على الوضع. الأم ( 30 سنة) ووليدتيها التوأم كن في حالة صحية حرجة بسبب الظروف التي تمت فيها عملية الولادة، وأنه تم نقلهم، ولأول مرة بالمنطقة، على متن سيارة إسعاف مجهزة، حيث تلقت الإسعافات الأولية في انتظار وصولها إلى مستشفى الأم والطفل التابع للمركز الاستشفائي الجامعي محمد السادس بمدينة مراكش. موجة استياء عارمة اجتاحت نفوس سكان قطارة بسبب هذا الحادث.
«الإهمال» يقتل مواليد جددا
انتقلت بديعة(اسم مستعار) من منزلها الكائن بدوار أيت عزيز جماعة امرابطن بإمزورن على متن سيارة خاصة من أجل وضع حملها، غير أنها تفاجأت رفقة زوجها بأن الباب مغلق، ربع ساعة من الانتظار اشتد المخاض على الزوجة ووضعت مولودها أمام باب المركز، غير أن الصغير لم يتحمل كثيرا إذ توفي. عائلة المرأة اعتبرت الوفاة ناتجة عن الإهمال فلو تمت بداخل المركز لما توفي المولود، أو على الأقل كان سيولد ويموت بكرامة فوق سرير وليس في العراء.
أمام مستشفى سانية الرمل بتطوان سجل حادث مؤلم، فقدت أم حامل في شهرها الثامن جنينها الذي انتظرته لأزيد من 6 سنوات، والسبب عزته مصادر إلى «الإهمال» أيضا. الأم المكلومة كانت ترقد بالمستشفى وأكدت أنها أحست بآلام المخاض فنادت إحدى الممرضات لتخبرها بوضعها، غير أنها أخبرتها أن الطبيب المختص لن يحضر في ساعة متأخرة إلا إذا كانت الحالة طارئة جدا وتركتها وانصرفت. استمر حال الحامل والألم يعتصرها إلى غاية منتصف اليوم الموالي دون أي متابعة لتفاجأ بالجنين يخرج تلقائيا وهو جثة هامدة. السيدة لم تتحمل الصدمة فدخلت في نوبة عصبية، خاصة وأن مجموعة من الأطباء كانوا قد أكدوا لها قبل حملها أنها مصابة بعقم شبه تام، وأن حملها إن حدث فهو معجزة من الله.
وفاة أم وجنينها بسبب نزيف
الألم يكون أكثر عندما تلقى الأم ومولودها حتفهما بسبب هذا الإهمال، لا يمكن لأحد ألا يتذكر الحادث المأساوي الذي شهده مستشفى الدراق بمدينة زاكورة، حيث توفيت سيدة شابة في الثلاثينيات من عمرها وجنينها على بعد ساعات فقط من وضعها. حادث أخرج مئات الزاكوريين للاحتجاج تعبيرا عن الواقع «المزري» للقطاع الصحي بالمنطقة بسبب غياب مجموعة من التخصصات. وتعود فصول هذا الحادث المؤلم إلى أن الشابة «رقية .ع»، البالغة من العمر قيد حياتها 33 سنة والتي لقيت حتفها بعدما دخلت المستشفى صباحا من أجل الولادة، لتنتهي جثه هامدة بسبب غياب طبيب جراح لإنقاذها، حيث كانت أسرة الضحية قد أكدت أنها، بقيت مدة 6 ساعات تصارع الموت دون أن تجد من ينقذها لتنتهي جثة هامدة، بعد أن أصيبت بنزيف دموي كان سببا رئيسا في وفاتها، علما أنه كان يمكن إنقاذها.
وفيات أمام مراكز
صحية «معطوبة»
ما كانت أسرة الشاب محمد ببلدية سبت جزولة بإقليم أسفي تظن يوما أنها ستفقد ابنها بتلك الطريقة، وهو الذي كان يشع حيوية ونشاطا. نوبة عادية لمرض الربو المزمن أصابته وعلى الرغم من أن المركز الصحي الوحيد بالمدينة لا يبتعد كثيرا عن منزل عائلته، إلا أن المركز «الفقير» لم يكن يتوفر على أوكسجين لبث الحياة من جديد في جسده العليل. الأسرة توجهت بالشاب نحو مستشفى محمد الخامس بأسفي(حوالي 30 كيلومتر) غير أن القدر كان أقوى من إرادة محمد ورغبته في الحياة. توفي الشاب ومازال والداه المكلومان يتذكران بحرقة كيف أن الموت خطف منهما سندهما في الحياة فقط لغياب الأوكسجين بالمركز الصحي القريب من سكنهما.
غياب مصل مضاد للسموم
لسعة عقرب أودت بحياة طفل لا يتجاوز عمره السنة والنصف، وما عجل بوفاته أن ممرضا رفض تقديم المساعدة للصغير بحجة أن حالته خطيرة على الرغم من أن الأسرة قطعت مسافة طويلة من دوار سرغوت التابع لجماعة الزاوية النحلية قيادة مزوضة إقليم شيشاوة إلى مستوصف دوار البرج. الأسرة حملت الصغير نحو مراكش حيث تم إدخاله غرفة العناية المركزة، غير أنه فارق الحياة بعدما انتشر السم في جميع جسده الصغير بسبب التأخر في العلاج. الممرض رفض استقبال الصغير لأن المستوصف لا يتوفر على مصل مضاد وليست له أي علاجات من شأنها أن تنقد حياة الصغير، لذلك فضل إبراء ذمته ونصح العائلة بالتوجه نحو مراكش حيث قطعت عشرات الكيلومترات في رحلة على نفقتها الخاصة وعادت على الدوار دون صغيرها.
مستوصفات مغلقة
توجهت بها أسرتها صوب أقرب مستوصف صحي من أجل وضع حملها، قاطعة مسافة طويلة من دوار المعادن قيادة تولوكلت دائرة امتوكة بإمنتانوت نحو المستوصف، غير أنها وجدته «مغلقا» انتظرت قليلا وقررت العودة إلى منزلها. استسلمت الحامل لقدرها واشتد عليها المخاض ووضعت مولودتها في منزلها بالفعل، غير أنها توفيت بعد الولادة مخلفة رضيعتها. أسرتها اعتبرت أنها ضحية إهمال لأن المركز الصحي الذي كان يفترض أن يستقبلها كان مغلقا، كما أنها كانت ضحية غياب سيارة إسعاف لنقلها نحو وجهة أخرى، لأن سيارات الأجرة لا يمكنها أن تقل حاملا على وشك الوضع.
عجوز سبعينية حلت بمركز إمنتانوت الصحي بإقليم شيشاوة طلبا للعلاج، غير أنها تفاجأت بأنه مغلق، وهو ما دفع أسرتها إلى التوجه بها صوب إحدى العيادات الطبية الخاصة بامنتانوت لأجل فحصها. قبل أن تلج المسنة العيادة توفيت في الشارع. الصدمة كانت كبيرة لابنها وأفراد من عائلتها. ما حز في نفس أسرتها أنها ظلت لأكثر من ثلاث ساعات ملقاة على الأرض في انتظار سيارة إسعاف لنقل المتوفاة إلى محل سكناها ومن تم إلى متواها الأخير، وذلك رغم اتصال بعض المسؤولين بالمنطقة للتعجيل بالأمر. حيث ظلت الهالكة جثة هامدة في الشارع، وهي صورة اعتبرها الكثير من الجمعويين بالمنطقة «احتقارا لكرامة المتوفية» حتى بعد مماتها. الأسرة فضلت الانتقال إلى امنتانوت ظنا أنها ستلقى عناية أفضل متجاوزة مركز الصحة بدوار تالمكانت الذي لا يتوفر سوى على ممرض وحيد ويعاني الكثير من الاختلالات. المسنة تم نقلها على دابة حوالي ثلاث ساعات إلى جماعة تمزكدوين، وبعدها نقلت مرة أخرى بواسطة النقل السري إلى إمنتانوت.
مولودة سقطت على رأسها
عجل سقوط مولودة على رأسها مباشرة بعد الولادة بوفاتها بالمستشفى الاستشفائي الحسن الثاني بفاس، حيث كانت المولدة منشغلة بتناول وجبة فطورها عندما سقطت الصغيرة، دون مبالاة بصرخات الحامل التي كانت تطالب بإغاثتها لأنها كانت على وشك الوضع، مما أسفر عن إصابة المولودة برضوض في الرأس.
الأسرة أكدت أن المولودة نقلت إلى قسم الإنعاش لتلقي العلاج من الرضوض التي أصيبت بها، حيث مكثت بإحدى غرفه لما يقرب شهرين، قبل أن تخبر إدارة المستشفى الأسرة بوفاة المولودة. والد الرضيعة رفض تسلم جثتها التي تم الاحتفاظ بها في مستودع الأموات بالمستشفى الإقليمي، وطالب بتشريح الجثة على يد خبير مختص لمعرفة أسباب وملابسات الوفاة. الشرطة فتحت تحقيقات في القضية، واستمعت إلى الزوج والزوجة، اللذين أكدا المعطيات ذاتها التي وردت في شكايتهما، وطالبا بإجراء خبرة قبل استلام الجثة للدفن. وتعود وقائع القضية، حسب الشكاية التي وجهتها كل من جمعة كعواش وعبد اللطيف العلاوي، إلى وكيل الملك بالمحكمة الابتدائية لفاس، إلى فاتح يوليوز الماضي، عندما أحست الزوجة بأعراض الولادة، ونقلت على وجه السرعة إلى قسم المستعجلات بالمستشفى الاستشفائي الحسن الثاني بفاس، الذي حولها إلى قسم الولادة. وبهذا القسم حضرت مولدة لمعاينة الزوجة الحامل، حيث لمست بطنها، وأخبرتها بأن وقت ولادتها لم يحن بعد، ثم تركتها بالقاعة، دون أن تمكنها حتى من سرير وهي تتألم، فاشتد بها الألم وبدأت تصيح وتطلب إنقاذها وإنقاذ الجنين ببطنها، إلا أن المولدة كانت منشغلة بتناول وجبة الفطور ولم تعرها أي اهتمام إلى أن سقط الجنين على رأسه.
مستشفيات أم مقابر ؟
أصبحت مجموعة من المستشفيات توصف من لدن البعض بأنها «مقابر» يدخل إليها المريض على رجليه، فيخرج محمولا على الكتفين، مستشفيات تضافرت مجموعة من العوامل لتجعل المرضى وخاصة النساء الحوامل يتخوفن منها بسبب كثرة الوفيات التي تسجلها سنويا.
ففي آسفي مثلا يفكر المواطنون كثيرا قبل الذهاب بنسائهم الحوامل إلى قسم الولادة بمستشفى محمد الخامس، وذلك بسبب الكلام الكثير والخطير عن ظروف ولادة الحوامل فيه، وعن الموت الذي كان مصير الكثيرات منهن، شهادات كثيرة لمواطنين ذاقوا الويلات في هذا المستشفى بسبب المعاملة القاسية والإهمال من جهة والخوف من الوفاة من جهة أخرى، فمعظم الحوامل اليوم يرفضن الولادة بالقسم لأنهن في قرارة أنفسهن يدركن أن مصيرهن لن يكون أحسن من مصير غيرهن من النساء اللواتي سلمن أرواحهن بعد ساعات من دخولهن للولادة.
وبالبحث في أرشيف الحوادث التي وقعت بالمستشفى المذكور سنجد حالات كثيرة تم تسجيلها خلال السنوات الماضية، ومن ضمن الحالات هناك حالة عبد الرحيم الذي كان ينتظر أن تخرج زوجته من قسم الولادة سالمة هي وابنهما، ليتفاجأ بالممرضة تخبره أن مولوده كان ميتا في رحم أمه، «صدمة» كبيرة خلفها الحادث في نفسية عبد الرحيم الذي ندم لأنه غامر بحياة ابنه في هذا المستشفى ولكن السبب –يضيف- هو قصر ذات اليد وعدم التوفر على تغطية صحية تضمن الرعاية الكافية لزوجته وابنه المتوفى.
وصف المقبرة لا يوصف به المستشفى الجهوي بآسفي فقط بل يوصف به أيضا مستشفى الدراق بزاكورة الذي سجلت فيه أيضا حالات وفيات كحالة نعيمة التي لقيت حتفها بعدما وضعت رضيعها، حيث تقول عائلتها إنها تركت مهملة بعد عملية قيصرية تعرضت بعدها لنزيف حاد، تاركة رضيعها الذي أصيب بجرح غائر على مستوى رأسه ستكون له مضاعفات على حياته، حالات أخرى سجلت بالمستشفى ذاته كحالة المعطلة التي تنتمي إلى منطقة امحاميد الغزلان، والتي فارقت الحياة هي وجنينها سنة 2012 نتيجة السبب نفسه، فخرج السكان في مسيرات احتجاجية بعدما تأثروا بحالة المعطلة، وآزرتهم الجمعيات والفعاليات الحقوقية آنذاك، بحيث طالبت بتوفير التجهيزات الطبية والموارد البشرية بالمستشفى.
وبتطوان وبالضبط في شهر أكتوبر من سنة 2013 حين دوت فضيحة في قسم الولادة بمستشفى سانية الرمل، ويتعلق الأمر بارتكاب خطأ طبي أفضى إلى استئصال رحم سيدة إثر عملية قيصرية لاستخراج مولود دون استشارتها وعائلتها، هذا الخطأ تقول عائلة الضحية كان سببا في إحداث خلل في المثانة للسيدة مما تسبب لها في نزيف بولي حاد.
وفي بني ملال يعرف مستشفى بني ملال وأزيلال، الجهويين، غليانا غير مسبوق بسبب تدهور الوضع الصحي ومعاناة المواطنين اليومية مع الإهمال وغياب الأطر الطبية، بحيث نددت جمعية ائتلاف الكرامة لحقوق الإنسان ببني ملال، بما آل إليه الوضع بالمستشفى الجهوي ببني ملال، وتحدثت عن الوفيات الكثيرة التي يعرفها قسم الولادة، والمعاملة الحاطة من الكرامة التي تعامل بها النساء خلال توليدهن بالسب والقذف تصل إلى حد الصفع أحيانا، ومطالبتهن بتقديم رشاوى مقابل التوليد حسب فيديو مسرب تتداوله المواقع الإلكترونية.
فقد كشف تسجيل لمواطنة عن معطيات خطيرة تتحدث عن وقائع جرت بالفعل داخل المستشفى – تقول- عرف وفاة ثمانية توائم مرة واحدة بسبب الإهمال، كما تحدثت في الفيديو ذاته عن طبيب يقوم بضرب امرأة حامل قبل وفاة الأخيرة رفقة جنينها، مؤكدة أن ولادة العديد من الحوامل تتم دون مساعدة من أحد، عقابا لهن على عدم تقديمهن لرشاوى للممرضات. وتحدثت المواطنة عن ولادة حامل في مرحاض وولادة أخرى تحت شجرة، مؤكدة تقديمها ل600 درهم لطبيب نظير أن يسعفها في الولادة.
الوضع نفسه تقول جمعية ائتلاف الكرامة لحقوق الإنسان ببني ملال يعرفه مستشفى أزيلال الجهوي، الأمر الذي أصبح معه عاجزا عن تقديم العلاجات الضرورية للمرضى بسبب تدني الخدمات الصحية وتحول أقسامه إلى مرتع للحشرات والزواحف، كما يظهره الفيديو المتداول الذي يظهر مريضا يفترش الأرض ينتظر دوره في العلاج بجانبه يتجول
«بوبريص».
طفلة تتحول إلى هيكل عظمي.. بعد رفض مستشفى بجرسيف استقبالها
[[{“type”:”media”,”view_mode”:”media_large”,”fid”:”13688″,”attributes”:{“alt”:””,”class”:”media-image”,”height”:”215″,”typeof”:”foaf:Image”,”width”:”480″}}]]
يسرى (14 سنة) واحدة من ضحايا المستشفيات المغربية هي أيضا ضحية إهمال طبي، إذ رفض بعض الأطباء معالجتها تاركين إياها تصارح الموت بجسد تحول إلى هيكل عظمي. بحي دوار الحلفة عمالة إقليم جرسيف توجد يسرى التي تحولت ملامحها الجميلة إلى هيكل عظمي وأسرتها تقف عاجزة عن التحرك ولا يسعها إلا «التفرج» والبكاء على وضع طفلتها التي كانت تتابع دراستها بالثامنة إعدادي بتفوق.
يسرى كانت ضحية حادثة سير أفقدتها القدرة على الحركة. وبدأت مأساتها ومعها مأساة أسرتها في 07 مارس 2014، بعد أن دهستها سيارة نُقلت على إثر ذلك إلى مستشفى جرسيف، بعد خمس ساعات من الانتظار بقسم المستعجلات تم توجيهها إلى المستشفى الجامعي بفاس (CHU)، لتمكث به حوالي أربعة أشهر، إذ تمكن الطبيب المتتبع لحالتها من إقناع والديها بنقلها إلى مستشفى مسقط رأسها بجرسيف. الأم تقول إن «المستشفى رفض استقبال يسرى لاستكمال العلاج بعد تدهور حالتها الصحية وقالوا لنا: حالتها ميئوس منها ومعندناش مانديرو ليها.. خذوها للبيت تعيش أياما وسط أهلها حتى نشوفو من بعد ستة أشهر».
ظلت الحالة تزداد سوءًا وبدأ فخذها وظهرها يتآكل وتظهر العظام وفقدت القدرة على الحركة تماما، وامتنعت عن الطعام وأصبحت تعيش على السوائل بعدما فقدت جزءًا كبيرًا من وزنها. والد الطفلة يقول إن « حالة يسرى تحتاج إلى رعاية خاصة بأحد المستشفيات، و»نحن لا نملك الإمكانيات».
مستشفيات البيضاء تطرد
[[{“type”:”media”,”view_mode”:”media_large”,”fid”:”13689″,”attributes”:{“alt”:””,”class”:”media-image”,”height”:”215″,”typeof”:”foaf:Image”,”width”:”480″}}]]
مدينة الدار البيضاء بدورها لها نصيبها من الفضائح الصحية التي كانت مجموعة من المستشفيات مسرحا لها، والغالب فيها هو «طرد» المرضى والحوامل والمواليد ورفض استقبالهم، ففي شهر أبريل من عام 2012 وضعت سيدة من مواليد 1976 مولودها بمستشفى مولاي يوسف «الصوفي» حين باغتها المخاض، بعد أن امتنعت المولدة عن استقبالها لأنها كانت نائمة، وقد استقبلت السيدة من طرف متدربة آنذاك نصحتها بالتوجه إلى المركز الجامعي ابن رشد، إلا أن السيدة رفضت وظلت قابعة في مكانها حتى جاءها المخاض وساعدتها آنذاك عاملة نظافة في الولادة بسبب غياب طبيب يشرف على العملية.
القصة لم تنتهي هنا، فبعد أن كتب للجنين أن يعيش بين أحضان والديه لحوالي شهرين، عاشها وهو يعاني نوبات مرضية، توفي متأثرا بتلك النوبات في الخامس والعشرين من شهر يونيو من السنة نفسها، فرفع والده شكاية يتهم فيها المستشفى بالتقصير والإهمال.
فضائح مستشفيات العاصمة الاقتصادية لا تنتهي لأنها تستقبل حالات مرضية من جميع أنحاء المغرب، وغالبية المشاكل ترتبط بغياب أسرة كافية وبقلة الموارد البشرية وبالاكتظاظ الذي تشهده، والذي لم تجد له الوزارة حلا رغم انخراطها في برنامج المساعدة الطبية»راميد».
كما أن مستعجلات مستشفيات الدار البيضاء مازالت تثير سخط المواطنين بسبب تعطل أجهزة السكانير ليلا، وعدم وجود أطر وسيارات إسعاف كافية، لهذا نجد بأن هذه المستشفيات ترفض استقبال بعض الحالات كما حدث مع أحد المتشردين أخيرا، الذي رفضت مستعجلات ابن رشد استقباله عندما جاءت به سيارة للإسعاف وهو في حالة يرثى لها بسبب تعرضه لاعتداء من طرف أحد اللصوص، فظل المتشرد خارج المستشفى لساعات دون أن يلتفت إليه أحد، وهو ينادي المواطنين لمساعدته والتدخل لدى إدارة المستشفى من أجل علاجه.
المواليد الخدج لهم نصيبهم من الألم الذي يهدد حياتهم بالموت بعدما يرفض المستشفى استقبالهم، فقد سجلت خلال السنوات الماضية حالات كثيرة كحالة أسرة (ش-ع) التي رزقت في شهر شتنبر من سنة 2013 بثلاثة توائم، فقدت منهم اثنين بسبب عدم توفر حاضنة اصطناعية توفر لهما الدفء والتنفس، وليست هذه هي الحالة الأولى التي تفد على مستشفى عمومي بالدار البيضاء، بل سبق في سنة 2010 أن وضعت سيدة ثلاثة توائم خدج إناث في المستشفى نفسه توفيت واحدة منهن بسبب عدم توفر حاضنة اصطناعية.
فيديوهات فاضحة
[[{“type”:”media”,”view_mode”:”media_large”,”fid”:”13690″,”attributes”:{“alt”:””,”class”:”media-image”,”height”:”215″,”typeof”:”foaf:Image”,”width”:”480″}}]]
كثيرة هي الفضائح والفظائع التي حدثت في المستشفيات العمومية المغربية والتي أماطت اللثام عن واقع « بئيس» تتخبط فيه معظم المستشفيات «إلا من رحم ربي «، واقع يدفع ضريبته المريض الذي يتحمل الألم من جهة وسوء الخدمات المقدمة له من جهة أخرى، حالات كثيرة لا تعد ولا تحصى، ضحاياها مغاربة قصدوا المستشفيات للعلاج فلم يجدوه ووجدوا بدلا عنه معاناة، إهمال، لا مبالاة … وبفضل التطور المعلوماتي، انخرطت مواقع التواصل الاجتماعي في فضح مختلف التجاوزات التي تكون مجموعة من المستشفيات على الصعيد الوطني مسرحا لها، بحيث يتم تداول «فيديوهات» معنونة ب»الفضيحة» على صفحات اليوتيوب، وبنقرة أصبع تتابع الفضائح المثبتة بالصوت والصورة.
فقد أصبحت مواقع التواصل الاجتماعي وسيلة لنشر فضائح المستشفيات، حيث أضحى النشطاء يتداولون مجموعة من الفيديوهات التي تظهر بشكل جلي معاناة المرضى بعدما يرفض المستشفى استقبالهم، كشريط فيديو لسيدة حامل رفض مستشفى دار الولادة بمراكش استقبالها، حيث كانت حالتها تستدعي إخضاعها لعملية قيصرية مستعجلة، وبالرغم من أن حالة السيدة الحامل كانت تستدعي تدخلا طبيا عاجلا فإن المستشفى يقول زوجها لم يهتم لأمرها وظلت مرابطه أمامه لمدة ساعتين تقريبا وبها نزيف حاد، فاضطر لنقلها إلى مستشفى خاص وضعت فيه مولودها .
ومن الفيديوهات أيضا فيديو فضح الوضعية «الكارثية» التي يعيشها مستشفى مولاي إسماعيل للأمراض النفسية والعقلية بمدينة مكناس، بسبب الإهمال وغياب المراقبة. فقد أظهر الشريط مرضى يفترشون الأرض ويلتحفون أغطية بالية، ينتشرون في قاعات المستشفى الذي يشبه «السجن» بالنظر إلى الأبواب الحديدية الموصدة في وجههم، فضلا عن تردي البنية التحتية للمستشفى الذي يعاني من تآكل جدرانه التي تعفنت بسبب عدم إعادة طلائها، وانعدام النظافة وغياب التهوية.
كما تناقل عدد من رواد مواقع التواصل الاجتماعي، بما فيها الفايسبوك شريط فيديو يظهر مواطنا تم رميه أمام المستشفى الإقليمي بالجديدة يتقيأ دما، وأشار المعلق على الفيديو أن المريض تم طرده من المستشفى، وهو الأمر الذي استنكره المواطنون الذين عاينوا المشهد المؤلم.
هذه الفيديوهات التي تحدثنا عنها وغيرها كثير… صدمت الرأي العام الوطني من جهة وفضحت المستشفيات من جهة أخرى، ولعل أبرزها الفيديوهات التي تظهر نساء يلدن أمام أبواب المستشفيات بعدما رفضت هذه الأخيرة استقبالهن بحجة حالتهن المتدهورة، أو الفيدوهات التي تظهر نساء بعد الوضع يفترشن الأرض ويلتحفن السماء كفضيحة مستشفى ابن سينا في الرباط الذي أظهر شريط فيديو حالة الاكتظاظ التي يعيشها وحالة النساء والرضع، في غياب أسرة كافية تستوعب العدد المتزايد من المواليد الجدد، وهي الوضعية نفسها التي تعيشها العديد من المستشفيات وطنيا، مستشفيات تغيب فيها الخدمات الأساسية للأمهات وتعاني من نقص في الموارد البشرية، وفي التجهيزات الطبية مما يجعل المرضى يئنون في صمت رهيب. لكن ظهور هذه الفيديوهات فضح واقعا صعبا تعيشه مستشفياتنا، وأثار الرعب في نفوس مسؤولي وأطر وزارة الصحة، لأن هذه الفيديوهات باتت تهدد كراسيهم، وخير دليل على ذلك أحد الفيديوهات المنتشرة لسيدة تلد في قلب مستوصف بعمالة عين السبع الحي المحمدي على الأرض، والذي كان وبالا على العاملين به بسبب الإقالات التي تعرض لها بعضهم بأمر وزاري.
عبد الغني الدغيمر*: المراكز الصحية لم تخلق لتطرد المرضى أو الحوامل والمواطن يجب أن يكون واعيا بحقوقه
قال إن النساء اللواتي يلدن في الشارع هن «غير واعيات» ولا يتتبعن حملهن
– في الآونة الأخيرة تفشت ظاهرة الولادة خارج المستشفيات، وهو ما ينشر على مواقع التواصل الاجتماعي بشكل يشوه صورة المغرب في الخارج. ما موقفكم بهذا الخصوص وما الأسباب؟
«أمر غير مقبول بتاتا». بمجرد الاطلاع على تلك الأشرطة لحوامل يضعن حملهن على الأرض، الوزارة تتخذ الإجراءات اللازمة لترتيب المسؤوليات والجزاءات من خلال تشكيل لجن تحقيق مركزية تنتقل إلى عين المكان. مثل تلك الأشرطة تؤلمنا جدا، فأن تضع حامل مولودها على الأرض ودون رعاية طبية هو «إهدار لكرامتها وكرامة مولودها». الوزارة سبق لها أن اتخذت قرارات قاسية في حق بعض الأطباء والممرضين ثبت إخلالهم بواجبهم المهني وهو مصير ينتظر كل المخالفين.
الانتشار الواسع لشبكة التواصل هو سيف ذو حدين ساعد في فضح بعض المخالفين غير أنه يشوه فعلا صورة بلادنا في الخارج. لكن نحن نطالب على الأقل من ناشري تلك الفيديوهات الالتزام بالموضوعية والحياد. يجب أن نسوق صورة موضوعية للإشكال دون اتهامات مجانية، وتبيان حقيقة الظروف التي جعلت السيدة تلد بتلك الطريقة، إما فوق عربة أو في طاكسي أو في الشارع.. هذه الصور تنتشر بالعالم القروي خاصة، وبعض تلك الحالات هي لنساء في وضعية تشرد. هذا الإشكال له سبب أولي هو غياب الوعي لدى عدد من الحوامل بضرورة تتبع الحمل، ومن تم معرفة تاريخ الولادة بشكل محدد، خاصة في العالم القروي. الحامل التي تكون مستقرة أسريا بمجرد علمها بالحمل تتوجه إلى المركز الصحي حيث توجد قاعة الفحص الخاصة بتتبع الحمل، ويتم فتح دفتر صحي لها حيث تخضع للفحص 3 مرات طيلة مدة حملها. الأولى في الأشهر الثلاثة الأولى من الحمل، والثانية في الأشهر الثلاثة الثانية، والثالثة في الأشهر الثلاثة المتبقية، حيث يطلب منها إجراء تحاليل معينة لمعرفة ما إذا كانت تعاني من فقر الدم أو عدم ملائمة صنف دمها لدم جنينها وبعض الأمراض الطفيلية أو الفيروسية التي تهدد المرأة. الحامل تكون في منأى عن الخطر في حالة الفحص والتتبع الطبي لحملها والعكس صحيح، وهو ما يفسر تلك الولادات.
– يعني أنتم تبرئون بعض المراكز الصحية التي «تطرد» حوامل بحجة أن وقت الوضع لم يحن بعد. علما أن الحامل قد تغادر المستوصف وتضع حملها أمام بابه؟
لم أقل ذلك. المراكز الصحية لم تخلق لتطرد المرضى أو الحوامل، فعندما يطلب من المرأة مغادرة المركز الصحي لأن وقت الوضع لم يحن بعد هذا أمر عادي، لأنه لا يمكن افتعال وضع إجباري وهو ما يفسر مطالبة بعض الحوامل بالمغادرة والرجوع خلال مدة معينة. إلا أن كل الحالات التي تتطلب الرعاية الطبية، المستشفى أو المستوصف ملزم بتقديم المساعدة الطبية لها، لكن هذا الصنف من النساء يتحملن مسؤولية كبيرة، لأنهن لا يتتبعن حملهن ويجهلن تاريخ الوضع بالتحديد.
وماذا أعدت وزارة الصحة لهذه الحالات التي تعتبرونها غير واعية؟
واقع بعض المناطق القروية بالمغرب وما تعيشه من عزلة بسبب غياب المسالك الطرقية يفرض وضع استراتيجيات لإنقاذ المرضى بشكل عام. وقد وضعت الوزارة رهن هؤلاء النساء في المناطق القروية على الخصوص سيارات إسعاف مجهزة بالإمكانات الخاصة بالحمل، حيث يتم نقل الحامل إلى أقرب مركز صحي نحو دار الولادة أو مصلحة الولادة في المستشفى.
الوزارة وفرت أيضا مروحية تغطي جهة مراكش تانسيفت الحوز وتادلة أزيلال في أفق توفير 4 مروحيات بكل من الجهة الشرقية والشمالية ومناطق الريف والمناطق الجنوبية. كما تم وضع مجموعة من وحدات التدخل الاستعجالي للنساء الحوامل في جميع المناطق وهي عبارة عن مصالح إنعاش متنقلة.
– كيف تفسرون «إهمال» بعض الحالات المرضية الصعبة -خاصة تلك التي لا تتوفر على تغطية صحية ولا نظام المساعدة الطبية «راميد»- إلى حد أنه يتم طردها أحيانا أو تصريفها إلى وجهة أخرى. آخر حالة تتعلق بشاب يرقد بمستشفى الرازي للأمراض العقلية ببرشيد تخلص منه المستشفى الجهوي الحسن الثاني بمدينة سطات وهو مصاب بكسور والنمل «يعشش» في ساقيه المكسورتين. أهذا هو الحق في الصحة؟
للأسف بلغتنا هذه الحالة. وأقول إن العديد من الحالات التي تتوافد على المستشفيات تتعلق بأشخاص مهملين، والمستشفى يقوم بواجبه في العلاج ولا يمكن أن يتحول إلى مؤسسة للإيواء. هنا المسؤولية مشتركة مع مؤسسات عمومية أخرى يجب أن تفعل دورها بهذا الخصوص.
نحن فعلا نعاني من نقص في الأخلاقيات. أتحدث عن بعض المهنيين من أطباء وممرضين. يجب إصلاح أخلاقيات المهنة وتثبيتها عند المهنيين وتوعية المواطنين بالحقوق والواجبات، فالصحة حق وولوج المريض إلى المستشفى يعني أنه يجب أن يغادر بعد أن يستفيد من العلاج وليس قبل ذلك، ما عدا في حالة غياب أحد التخصصات، وهنا يحال على مستشفى آخر وليس التخلص منه.
يجب أن نرفع مستوى التكوين للموظفين وأن نربط المسؤولية بالمحاسبة، فالمسؤول غير المكون لن يقوم بواجبه على أكمل وجه، والمسؤول الذي لا يحس بثقل المسؤولية الملقاة عليه لا يمكنه أن يلتزم بها.. وزير الصحة الحسين الوردي همه واهتمامه منكب على إصلاح المنظومة الصحة، علما أن الأمر ليس بتلك السهولة نظرا لطبيعة القطاع.
– ما قصدكم؟ هل هناك إكراهات تبرر الاختلالات التي تعاني منها مستشفياتنا والتي تنعكس على جودة الخدمات الصحية؟
بالفعل هناك إكراهات. القطاع الصحي في المغرب جد مكلف وهذا ما لا يفهمه الكثيرون، بل إن المستشفيات العمومية كلفتها تفوق بكثير كلفة المستشفيات الخاصة بسبب العدد الكبير للمرضى، حيث يلجأ إليها أغلب المواطنين خاصة المعوزون وهو ما يجعل الثقل أكبر. ومشكل الصحة في المغرب هو «من سيؤدي ثمن العلاجات» ولولا وجود بعض الفوترة بهذه المستشفيات لكان الوضع أسوأ.
يجب أن نعي جميعا أن الخدمة العمومية ليس مقابلها دائما المجانية، فلكي نطور من واقع المستشفيات العمومية وتصبح في خانة المصالح العمومية ذات الجودة العالية لا بد من وجود تمويل مستمر ذاتي لتغطية حاجياتها من أدوية وصيانة وتطوير للعلاجات، الحل هو ضرورة تعميم نظام التغطية الصحية الشاملة، أي أن كل مواطن يجب أن يكون له تأمين صحي، وهنا سنضمن الاستمرارية والتمويل، أما راهنيا فلا يمكن. وزارة الصحة الآن تشتغل مع وزارة المالية لتوسيع التغطية الصحية لتشمل أصحاب المهن الحرة.
– تسجل العديد من الاختلالات وتكون هناك زيارة للجن مركزية ببعض المستشفيات الوطنية ولكن الصورة لا تتغير. أين يكمن الخلل؟
هناك بعض المستشفيات التي تعاني من سوء في التسيير لأسباب من أهمها كما ذكرت ضعف تكوين المدراء في مجال التدبير، ولذلك الوزارة ومنذ 1995 كانت حريصة على الشق التكويني من خلال خلق المعهد الوطني للإدارة الصحية التي ارتقت سنة2013 إلى المدرسة الوطنية للصحة العمومية من أجل تكوين المسؤولين والمناديب والمسؤولين في تدبير الأوبئة. والمسؤولون ليسوا دائما مكونين بالمدرسة المذكورة نظرا لوجود إكراهات.
أشير إلى أنه في الأسبوع الماضي أعطي انطلاق أكبر برنامج للتكوين المستمر في مجال التدبير للمسؤولين بما فيه محاربة الأوبئة، وسيستمر على مدى سبعة أشهر وسيشمل 5000 موظف لوزارة الصحة.
ما يجب أن يعلمه الجميع أن أصغر مستشفى هو بحجم المقاولات الكبرى، وأن تدبيره جد معقد يضم 200 أو 300 إطار طبي وإداري وتقني و.. وميزانية التسيير تفوق في غالب الأحيان 20 مليون درهم في الحالات المتوسطة، والأكثر من ذلك أن المستشفى مقاولة تتحرك، يتحرك 24 على 24 وطول أيام وشهور السنة مداومة، وبسبب هذا التعقيد تكون بعض الاختلالات. كما أن التعقيد في المساطر المرتبطة بالصفقات العمومية وما يرافقها من سوء تدبير، أحيانا المدير لا يتحمل مسؤوليتها لوحده وبشكل مباشر.
– الملاحظ في أغلب المراكز الصحية أن الطبيب يكتفي بالمعاينة بدل التشخيص وقد يستقبل 6 مرضى دفعة واحدة. ما تفسيركم لهذا؟
أخلاقيات المهنة تتطلب من الطبيب فحص كل مريض على حدة، وفي إطار من السرية، وليس هناك فحص جماعي للمرضى وقانون ممارسة المهنة يمنع ذلك. لا يمكن أن يفحص مريضا وباقي المرضى يتفرجون عليه. المواطن يجب أن يعي بحقوقه وأن يستنكر مثل هذه الحالات. ومن يروج لشرائط تفضح بعض الاختلالات بمستشفيات عمومية يجب أيضا أن يروج لهذا من أجل إصلاح الوضع. هذا سوء احترام لأخلاقيات المهنة والوزارة ترفضه.
بعض الأطر الطبية تتعرض للاعتداءات ما هي الضمانات التي توفرها الوزارة لهؤلاء الأطباء؟
هناك حالات متعددة من الاعتداءات على الموظفين والأطر وهنا لا بد من المساندة القانونية للموظفين. هناك لجنة تحقيق من المفتشية العامة لوزارة الصحة، وهناك اعتداءات عديدة خاصة في المراكز الصحية القريبة من الأحياء الشعبية.
* رئيس قسم الإعلام والتواصل بوزارة الصحة

عن المساء يوم 06 – 10 – 2014

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

إغلاق