رأي : قضية تحرير المرأة قضية انسانية

معاد لشكور

على الرغم من التطور الذي يشهده العالم في مجال حقوق الانسان، وانتشار الحركات الداعية الي تحرير المرأة, الا ان قضايا المراة في دول العالم الثالت ظلت على حالها دون وجود أي تغيير يذكر، ولأن نجحت المراة الغربية في فك القيود المفروضة عليها ،وتمكنت بفضل التطور الذي يشهده عالمها من تحقيق ذاتها المستقلة واثبات وجودها،بل واسهامها في عملية التغير الاجتماعي والسياسي والاقتصادي ،فان نظيراتها مازلت تقبع في ادنى سلم التراتبية الاجتماعية ، بجانب تعرضها المستمر للتمييز والاستغلال والقهر.

تعتبر المراة في المجتمعات المتخلفة مجرد وعاء جنسي، وتتمثل مهمتها في الانجاب ورعاية الاطفال، وتكثر مثل هذه النظرة في المجتمعات العشائرية، ويشير الدكتور مصطفي حجازي في كتابه “التخلف الاجتماعي مدخل لسيكولوجية الانسان المقهور” الي ذلك، ويؤكد بان كيان المراة يختزل كله في جسدها الذي حول الى مجرد اداة انجاب للأولاد  والى مجرد رحم قيمته في درجة خصوبته، وتحديدا في قدرته على انجاب الصبيان ،وحينما يستنزف تهمل المراة ويقوم الرجل باستبدالها بأخرى اكثر خصوبة منها ولكن مثل تلك النظرة ليست مقصورة على المجتمعات العشائرية فقط، ففكرة ان المرأة مجرد وعاءجنسي مترسخة في اذهان الكثير من الرجال حتي وسط الذين تلقوا تعليما حديثا، ومثل هذا الرجل لايراعي حاجتها في العلاقات الجنسية،فالجماع يتحول في معظمه إلى فعل سيادة للرجل على جسد المراة من خلال اثبات القوة القضيبة, الامر الذي يمنع المراة من المتعة والاثارة، كما ان جسد المراة في هذه الحالة ملك للرجل يتصرف فيه كيفما شاء حتى لو كان ذلك ضد ارادتها.

تميز النساء حسب الجنس، ويعتبرن اقل درجة من الرجال، حيث يحل الرجل دوما في المرتبة الاولى بينما تكتفي المراة باحتلال المرتبة الاخيرة، بل ان المجتمع يمنح هذا الاخير السلطة التي تخوله بان يكون وصيا عليها ويتدخل في املاء قراراته عليها ،ويتحكم في تقرير مصيرها. كما انها تحرم من كثير من حقوقها، وان منحت فهي غالبا ما تكون حقوق هامشية وليست ذات تاثير.

لاتؤمن الكثير من المجتمعات المتخلفة بفكرة ان تحقق المراة ذاتها، لذلك يسعون بكل ما اوتوا من قوة في حصر نشاطها في بعض المجالات فقط، حيث تحرم من النبوغ والابداع، وبينما تسعى الي التحرر وتكوين شخصيتها المستقلة ثم تصطدم بالرجل الذي يرفض التنازل عن “حقوقه التاريخية”كما يسميها البعض، وتشير الكاتبة نوال السعداوي في كتاب لها بعنوان المراة والجنس  الى ان التفوق والنبوغ في نظر المجتمع صفة الرجل وحسب،وتؤكد بانه اذا ما اثبتت امراة ما نبوغها بما لايدع مجالا للشك اعترف المجتمع بنبوغها وسحب منها شخصيتها كامرأة وضمها الى جنس الرجال.

ويعتقد بعض الرجال بان تحرر المراة وتكوين شخصيتها المستقلة سوف يقلل اوينتقص من شانهم، لذلك كثيرا ما يستنكرون مثل تلك الافكار ويعملون على مناهضتها.

من الاشياء الشائعة وسط مجتمعات دول العالم الثالث، فالفتاة تزف الى بيت الزوجية دون استشارتها او مراعاة مشاعرها وعواطفها، فالذي يزوجها هو وليها، ولايحق لها باي حال ان تختار زوجها، لانه محرما عليها، فالعرف يلزمها بان تقبل أي زوج يجلب لها حتى لو كانت لا تحبه، فهي عبارة عن سلعة تباع لمن يدفع اكثر، وبدلا من ان يقوم الزواج على الوفاق والحب والاعتراف بالطرف الاخر يتم دوما بالقسر والاكراه، فالتي ترفض الزوج الذي تختاره اسرتها ستتعرض لاقصى العقوبات, بل والموت احيانا.

لذلك قضية حرية المرأة، وتغيير القوانين التمييزية، ومساواتها مع الرجل هي من صلب قضية الديمقراطية والحرية، والمواطنة في مجتمعاتنا، وليست شأناً خاصاً ، تعبر عن مصالح خاصة، بنضال النساء، لأن هذه القضية ترتبط ببناء الدولة الحديثة، أولاً، وهي قضية جوهرية ، يجب على كل الأحزاب ومنظمات المجتمع المدني إيلائها الأهمية اللازمة، ولن ننسى أن رواد النهضة العربية في بداية القرن العشرين، كانت قضية المرأة في أولوية اهتمامهم، ثانياً، إن المرأة في وضعها الراهن، سواء لأسباب تاريخية، ميزت في الأدوار بين المرأة والرجل، أو بسبب القيود التي تحد من حرية المرأة ومشاركتها، فهي ليست مقيدة بقيود السلطة اتجاه الحريات فحسب، بل تخضع إضافة لذلك لسلطات مختلفة من الأديان، والتقاليد، والمجتمع، وسلطة الرجل سواء الزوج، أو الأب، أو الأخ، تقيد حركتها وحريتها، وتبقى فعاليتها محدودة، ومقتصرة على النساء المتقدمات. ولن يشكلوا قوة ضاغطة، مؤثرة فاعلة لوحدهم، على الرغم من أهمية نشاطهم، وأهمية مبادراتهم.

وطالما اننا حددنا بعض اوجه ازمة المرأة علينا ان نضع بعض المعالجات التي يمكن ان تساعد في تجاوز تلك الازمةكمحاربة كافة اشكال التمييز والقهر والاستغلال الذي تتعرض له المراة،ومساواتها بالرجل،بجانب مساعدتها في تحقيق شخصيتها المستقلة, و تجاوز النصوص التي قد يودي العمل بها الي التقليل من شأن المراة او الحط من كرامتها مثل النصوص الداعية الي التعدد او التي تفضل الرجل عليها,وتمكينها وتمليكها ادوات الانتاج وعدم استغلال جهدها,وتطبيق مبدأ ان المواطنة اساس الحقوق والواجبات علي ارض الواقع، والغاء كافة القوانين المقيدة لحرية المراة كقانون النظام العام.

و بالتالي فان قضية المرأة أو تحرير المرأة قضية إنسانية محضة لا يمكن اعتبارها تتناقض مع مسألة الهوية الثقافية، أو تنفصل عن مطالب واحتياجات المجتمع، أو ضد الرجل، أو موضة من الغرب، أو ضد مصلحة الأسرة المغربية، أو تسعى إلى إضعاف الدين، بل هي قضية جوهرية للمجتمعات التي تسعى إلى إحداث تغيير اجتماعي على نطاق واسع. فان من الناحية التاريخية، طرح قضية تحرير المرأة ما هو إلا إسهام حقيقي في النهوض بالوطن.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

إغلاق