تاريخ المعدر الكبير : لمحة في الجذور والهوية والانتماء

المعدر 3

يشكل التاريخ العمود الفقري للعلوم الانسانية بحيث يرتبط ارتباطا وثيقا بالمعطيات والاحدات والتطورات التي يشهدها تاريخ الافراد والجماعات. ليبرز المحطات الحضارية والثقافية والاجتماعية للوجود البشري وفق المراجع والاسانيد العلمية الرزينة وحتى الشهادات الموثوقة او الاثار والحفريات التاريخية.كل هدا يجعل البحث في تاريخ الامم والحضارات امرا في غاية التعقيد والصعوبة، ومغامرة تستدعي التزود بزاد المنهاج العلمي الرزين  ـ رغم ان البحث في ميدان العلوم الانسانية وتفاعلاتها الغير المحددة والمتموجة ليس كبحث في مختبر علمي لتحليل مادة كيميائية او صخرة كلسية  ـ الا ان الاساس المنهجي والامانة العلمية تعتبر اداة فعالة لتبرئة الوقائع واعطائها المصداقية وغربلتها من الزوائد التي قد تشوه من قيمتها العلمية.

التاريخ هو اساس البناء الحضاري والتفوق العلمي والشحنة القوية من اجل الريادة والتقدم بحيث ينصهر الفرد في الجماعة ويحاكي الموروث الثقافي ويمده في كثير من الاحيان بشحنات التميز والقيمة المعنوية. فالقوة العظمى التي تحكم العالم اليوم وحين لم تجد في عمقها التاريخي أي امجاد تاريخية تعتز بها ولا عمق حضاري  الا ابادة الهنود الحمر لجأت الى الاسطورة لتاسس لعمقها التاريخي والحضاري فيما يسمى ب ” ماي فلاور” فعقمها التاريخي وغياب السند التاريخي كدافع مركزي يجعل بعض الشعوب تزور التاريخ لتأ سس لوجودها من منظور اسطوري، هدا فقط لنبين بجلاء وبوضوح اهمية التاريخ المركزي  وعمقه الحضاري والفلسفي للتاسيس للوجود قبل التاسيس  للازدهار والرخاء والتقدم. فالتاريخ والتراث والثقافة وكل العناصر الفرعية التي تدور في فلكه ما هي الا الراسمال اللامادي الدي ركز عليها الخطاب الملكي الاخير، ولابد من بدل مجهود جبار من اجل النبش عن جزء كبير وهام ضاع من تاريج الكثير من الامم والدول، وما بالك بتاريخ القرى والدواوير. فاغلب القرى والدواوير  لا تحاول احياء ذاكرتها التاريخية التي تؤسس لاصولها وجذورها رغم اهميته في بناء تصور ولو اولي حول الدات والوجود.

مغامرة علمية وتاريخية جديدة اذن  ستعيشها معكم الجريدة الالكترونية “تيزنيت 24″  فبعد الربورطاج الخاص عن تاريخ المعدر المعاصر، وتسليط الضوء على الثلاث سنوات الاخيرة من الفعل الجمعوي، وما لقاه من اهتمام ومتابعة وما حركه من نقاش صحي  تعود ” تيزنيت 24″  للمعدر لتسلط الضوء على وثيقة تاريخية فريدة ترجع بنا الى القرن 18  م. هذه الوثيقة ستكون الارضية الاساسية للنبش اكثر في تاريخ هذه القبيلة العريقة. وتطل بذلك الجريدة على قراءها من شرفة تاريخية في محاولة لمقاربة اولية لتاريخ المعدر.  واكيد ان ما سنعرضه يفتقر الى بعض المعايير العلمية التي اشرنا اليها في بداية التقديم، الا بعض القرائن الميدانية التي تشكل بدورها سندا موضوعيا غنيا خاصة لابناء المعدر الذين يعرفون بدقة دروبها ودواويرها وبعض الاحداث والاماكن التي مازالت شامخة في ارض المعدر فنحن التزمنا بالقولة التي تقول ما لايدرك كله لا يترك جله .

المعدر ارض “بودمايع” التاريخية :

تعتبر قرية المعدر الكبير من بين القرى الغافلة عن تاريخها وهدا يشكل في نفس الوقت حافزا للنبش والبحث عن ذاكرة جماعية ضائعة تمثل رمزا من رموز الوحدة.  ومما يجب ان نعرفه ان المعدر له تاريخ عميق وقديم وجذور تمتد الى القرن 18 خصوصا مابين 1750م و1760م,  حيث ان الجهة كانت تحت حكم شخص واحد يشهد له بالحكمة في امور الدين والمعروف ب “بودمايع” او ” بودميعة “,  وعمره انذاك مابين الستين والسبعين عاما,  كان اعزب يكسب لقمة عيشه من كراء الاراضي ( المعدر) للصحراويين الذين يسرحون ماشيتهم فيها لمدة طويلة فسموا المنطقة بالمعدر وهو مصطلح صحراوي وليس امازيغي,  ومعناه ارض منبسطة مليئة بالعشب والكلا. فالارض كانت مصدر العيش، فارتباط الساكنة المعدرية بالارض والفلاحة وتربية الماشية كان على الدوام متواصلا الى ايام الجفاف التي تلاحقت في السنوات الاخيرة، فالكل يتدكر في المعدر كيف تخرج افواج من الماشية في الصباح كل يوم لتعود في المساء بعد جولة يقوم بها الراعي في  اراضي شاسعة يمتد عليها المعدر الكبير،  ويعرف الكثيرون الاودية التي تمر وسط المعدر(ايت اومنار، اغبا، وتوزمت ) والتي تسمى “اغزر” فالمنطقة منبسطة وتمر من وسطها اودية تسقي الزرع، والحقول المحيطة بالساكنة من كل مكان. ويعتبر الزيتون  من بين اهم المزروعات المعروفة في المنطقة، وبالتالي فالمنطقة  فلاحية بامتياز وأرض خصبة وافرة المياه قبل ان ينال منها الجفاف، وهدا هو سبب اهتمام “بودميع” بالمنطقة منذ القدم بل جعلها موردا لرزقه  . من المعلوم حاليا ان المعدر تحده منطقة ماسة من الشمال, ومنطقة رسموكة من الشرق, وتحده تيزنيت من الجنوب, ويطل على الاطلنتي من الواجهة الغربية بدواوره. ونفس الشئ كان عليه الحال في القدم مما جعل مالكه “بودمايع”  يفكر في مستقبل المعدر,  ولكي لا يتركه في يد الصحراويين توصل بفكرة مفادها ان يجعل هذا المكان قبلة للسكان الامازيغيين يقيمون فيه بعد مماته. وهذا ماجعله يسافر الى المناطق الجبلية الوعرة المسماة حاليا “ادوسملال” ويجلب منه نسبة من السكان يلقبون ب “ابودرارن” وقامت هذه العائلات المستقطبة و “بودميعة” بتقسيم المعدر الى اربع جهات وقاموا ببناء مسجد وسط هذه الجهات، والذي تقول الاغلبية انه مسجد “امرزكان” الكبير، فالمسجد يعتبر اقدم مسجد في المنطقة وكان من الماثر  التراثية القديمة  قبل عملية التجديد واعادة البناء التي تعرض، كما كان المسجد في فترات تاريخية عريقة منارة علمية كبيرة يحج  اليه “امحضارن”  من كل مكان .  فكان “بودميعة” في فترة البناء والتشييد الاولى  اول امام للمسجد و فقيههم الذي يقضي في  امورهم الدينية ويصلي بهم صلواتهم نظرا لتفقهه في امور الدين.

وفاة “بودمايع” و”عبلا اوسعيد” يأخد المشعل:

قبل وفاة “بودميعة” بسنتين قدم اليهم رجلا يسمى ب”عبد الله اوسعيد” الذي كان تلميذا بالزاوية السملالية مما خول له ان يحتل مكان “بودميعة” بعد وفاته, وهو الشخص الذي دفن في المنطقة الرملية والمعروفة  بموسمه السنوي الذي يقام كل شهر اكتوبر.وهذا الموسم بدوره يعتبر حدثا مهما حيث يتجه المعدريون كل مرة في السنة الى رمال” عبلا اوسعيد” حيث خصص كل دوار لنفسه مكانا بالقرب من  مدفن ” عبلا اوسعيد”، ويعرف هذا الموسم كل مرة في السنة زيارة للساكنة لربط جسور الحاضر بالماضي، فالشخص معروف بزهده بل اختار تلك الرمال فضاء لعزلته وتعبده، وهو الشخص الذي تولى امور المعدر بعد وفاة  ” بودميعة”. ليبقى السؤال المطروح لماذا يقام هذا الموسم في هذه المنطقة الرملية ؟ ولماذا دفن بها هذا الشخص ؟ فحسب البحث واجابة كبار القبيلة فان هذا الشخص كان زاهدا متصوفا وحبذا التعبد لوحده في تلك المنطقة، وكان يصطحب معه السكان في اوقات الشدة خصوصا في اوقات الجفاف ليصلوا صلاة الاستسقاء وطلب العفو ومغفرة الذنوب في تلك الرمال . اما دفنه في تلك المنطقة  فكان بعد  طلب “عبلا اوسعيد” ذلك .

قسم المعدر الى دواوير صغيرة لكل واحد اسمه، ولكن بعضها يتشابه في الاسم مع دواوير اخرى في منطقة “ادوسملال” وهذه الاسماء هي كالاتي: “بوارين،تكدالت،ايت اومنار” اذ ان الساكنة التي رحلت الى المعدر سمت هذه الاسماء انطلاقا من دواويرها الاصلية ب “ادوسملال” .

ويذكر ان المنطقة دخلت في خضم الدولة العلوية في عهد المولى اسماعيل الذي ارسل بعثة تامر الساكنة بالاعتراف به وبناء قصبة تجسد حكمه وهي المتواجدة بدوار “اغبا”،  وهي قصبة قديمة توجد في هضبة عالية تطل على المعدر،  وكان اول قائد بها اسمه “احمد اوعلي” الذي كان متشددا في جمع الضرائب من اجل تسليمها للمقاومين  الذين يمارسون الجهاد البحري.

هذه لمحات من تاريخ المعدر والتي تشكل محطات خالدة للجيل الحالي فلا يمكن بناء معدر المستقبل بدون ان ناخذ شذرات ماضيه، والتي ستنير المستقبل اكيد بانجازات ابناء المنطقة الغيورين على اصلهم . هذه ومضات تاريخية او لنقل ارضية اولية لبحث علمي اكثر قيمة لموضوع مرتبط بعمقنا التاريخي.الجماعة المحلية مطالبة بتجميع هذا التاريخ فقد قمنا  بزيارة هذه الجماعة دات مرة ووجدنا انها تفتقد أي وثيقة تاريخية من هذا الحجم،  وهي مطالبة بتجميع هدا التاريخ واجراء بحث بخصوص هدا الراسمال اللامادي الذي ضاع عبر مرور السنين واكيد ان ذلك سيشكل فرصة لتصالح هذا الجيل مع تاريخه فالنبتة الاصيلة لابد ان تكون جذورها معروفة واصيلة  هذا مطلب واكيد انه سيصل الى الجهات المعنية.

محمد الطالبي – تيزنيت tiznit 24                    

المعدر 2

 

 

 

 

مقالات ذات صلة

‫2 تعليقات

  1. جميل جدا ان يعلم الانسان تاريخ بلدته كنت دائما أسمع بشخصية٠عبلا أوسعيد٠ولا أعرف عنه أي شيء و الحمدلله صاحب المقال ادلى بأنه من كبار العلماء الدين ساهموا تنشئة المعدر الكبير فمن الواجب على الساكنة اعترافا بالجميل والتقدير والإحترام بعيدا عن التقديس

  2. يشاع ان عبلا اوسعيد له اخوين امحمداو سعيد و الحسين اوسعيد احدهما دفن بين توزومت و بونكارف برسموكة و الاخر بين توزومت و بورجيلات رسموكة كلهم من توزومت رسموكة اتخدوا مزارع حفرة املوك قرب المكان الدي دفن فيه عبلا اوسعيد لتربية النحل و للرعي والفلاحة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

إغلاق