روبورطاج : الاستثناء في السجون المغربية …..؟ 

سجن

يعتبر السجن لدى العامة مرتعا للفاسدين والمنحرفين ومن يدخل إليه يحكم عليه بالتهميش، لكن التجارب أثبتت أن السجناء من الممكن أن يتحولوا إلى أفراد صالحين، فهناك من تمكن من الانطلاق من التجربة السجنية لتغيير حياته، وبالتالي فداخل هذه المؤسسات السجنية سجناء حق عام يعتبرون سجناء استثنائيين. 
الإتحاد الإشتراكي، حاولت النبش في ماضي بعضهم السجني وما أعطى من نتائج جيدة داخل المجتمع
لحسن لعسبي وبداية الاستثناء
لايخال إليكم أنه إسم مستعار إنه إسم حقيقي لذاك الصحافي الأمازيغي الأصيل الذي شكل الإستثناء داخل المركب السجني بالبيضاء المسمى سجن عكاشة حيث قضى به فترة ليست بالهينة لكن ليس كنزيل ولكن كمشرف وموجه لما كان ينتجه نزلاء به من أدب وشعر وقصة قصيرة ومسرح، فقد كان مشرفا على صفحة أدب السجن التي كان يصدرها بداية كل أسبوع بجريدة الإتحاد الإشتراكي عندما كان سي محمد عزرية مديرا على هذه المؤسسة التي أعطاها الكثير من أجل الرقي بمستوى نزلائها الأدبي حيث كان يقيم بتعاون مع زميلنا الصحفي لعسبي أمسيات فنية ومن هذه المؤسسة تكونت الفرق الفنية وأنجزت المسرحيات وألفت الكتب التي طبعت كما هو حال النزيل بنسودة الذي أصدر العديد من المؤلفات ووقف بمسرح محمد الخامس لتوقيع كتابه وغيره من النزلاء لكن للأسف كلما تسلم مسؤول مفاتيح المسؤولية إلا ودمر ما خلفه سلفه كما هو حال الصفحة الثقافية التي توقفت عن الصدور مع رحيل سي محمد عزرية
محمود الذي حوله الإضراب
عن الطعام الى قارئ نهم
محمود ذاك الشاب الوسيم القادم من أعالي أوروبا حكمت عليه ظروف معينة أن يلج بوابة السجن ذات مساء شتوي دون أن يكون مسلحا ولو بمصطلح واحد من عالم غريب أعتبره نقطة سوداء في حياته لكن لم يكن يعتقد أن السجن سيكون مرحلة تحول حاسمة في حياته،
تغير مساره المهني إلى الأفضل، وأصبح اليوم يحتل مركزا مرموقا.
من نافذته يحاول أن يدمج هو الآخر سجناء آخرين في عالم الشغل بعد الإفراج هو الذي ظل السجن في مخيلته مكانا يجمع الفاسدين داخل المجتمع. إلا أن تجربته داخل السجن المركزي بالقنيطرة جعلته ينظر إلى المجتمع والحياة بطريقة مختلفة تماما عما كان عليه الأمر سابقا. فقد حكم عليه بالسجن المؤبد قضى منه سنوات طويلة متنقلا بين القنيطرة وعكاشة والجديدة ألتقيته غير مامرة وهو نزيل السجن المحلي في الجديدة حيث كنت أحمل له بعض الكتب بحكم أن أهله كانوا يقطنون في القنيطرة ووالدته عجوز ومريضة بحكم مكانة محمود في قلبها أعترف لي غير مامرة أن ملفه ارتكبت فيه أخطاء جسيمة كما أرتكبت في حياته، ولو لا هذه المدة في السجن، لكان قد واصل طريق آخر في بلاد الغربة . من حسن حظ محمود أنه التقى خلال مدته السجنية بمجموعة من الأصدقاء والموظفين الذين أقنعوه بضرورة إتمام دراسته، والاستفادة من هذه المدة السجنية فيما قد يعود عليه بالنفع فيما بعد.
كما طور العديد من السجناء ملكتهم اللغوية في الشعر والأدب طوال المدة التي قضوها بالسجن، كان محمود يكتب العديد من المقالات بطريقة منتظمة، ما ساعده على اكتساب معارف كثيرة والرفع من مستواه الثقافي. وبحكم أنه كان نزيلا بالسجن المركزي فقد قرر متابعة دراسته الجامعية بها حيث تم قبوله بشعبة اللغة العربية التي قضى بها أٍبع سنوات من الإجازة وسجل ماستر قضى سنواته هي الأخرى بنجاح حيث تناول في بحثه أدب السجون حيث حضر مناقشة رسالته العديد من الأدباء والباحثين ومسؤولي إتحاد كتاب المغرب وإدارة السجون كما أصدر كتابا قام بتوقيعه ومن هناك بلغ صيته الى أعلى سلطة في البلاد فتم منحه فرصة أخرى للإندماج والإستفادة من التجربة
استفاد من عفو ملكي وبمجرد خروجه من السجن تمكن من الاتصال بالعديد من المجلات الفكرية والجرائد التي عمل معها في مجال الكتابة والترجمة.قبل أن يستقر في مؤسسة تعيد إدماج السجناء كمشرف عليها حيث يساعد السجناء في مختلف المدن لإدماجهم في مشاريع خاصة بهم وقد أبان عن نجاح كبير في هذا المجال
دخل السجن معشرا وخرج منه فنانا
شهدت سنة 1996 حملة التطهير الشهيرة التي قادها وزير الداخلية الأسبق إدريس البصري والتي قضت على الأخضر واليابس دخول العديد من رجال الأعمال والتجار الكيار السجن جراء ماقيل عنه مخالفة القوانين وضوابط التصدير والإستيراد
كان من بين هؤلاء مصطفى أحد أشهر المعشرين بمدينة البيضاء الذي كانت تهمته تكسير أختام حاوية بعد مراقيتها من طرف الجمارك وحصد عشر سنوات سجنا نافذا قضاها متنقلا بين السجون إلا أن إقامة أول معرض وطني لمنتجات السجناء بالجديدة أبرز موهبة مصطفى في الفن التشكيلي حيث ساهم بأكثر من عشر لوحات فيه من بينها بورتري للملك الراحل الحسن الثاني الذي مازال لحد الآن يزين مقهى السجن المحلي بالجديدة المعد للزيارة اليومية
مصطفى امتلك هذه الملكة الفنية إنطلاقا من حبه للمعارض التشكيلية التي كان يتابعها باستمرار وكان يحاول غير ما مرة تحضير مثلها دون أن يكون له الوقت لذلك إلا أن فترة اعتقاله و مارافقها من فراغ قاده الى احتراف الفن التشكيلي والبحث فيه ومتابعة كل كبيرة وصغيرة حوله ،إلا أنه منذ أن غادر السجن انشغل بإعادة بناء مكتبه بالبيضاء رغم أن جدرانه لحد الآن مزينة ببعض من لوحاته
سامي الجاي الاستثناء
صاحب إذاعة سجن طنجة
سامي الجاي الذي يشتغل اليوم بإحدى الإداعات الخاصة والفنان التشكيلي الكبير الذي إبتدأ حياته العملية بإداعة ميدي 1 سنوات السبيعات قادته ظروف خاصة الى قضاء مايناهز العشرين سنة متنقلا بين السجون قبل أن يستقر به الحال بسجن طنجة الذي كان قد حوله الى معرض كبير جراء لوحاته التشكيلية الفنية التي كانت تساوي الملايين في معرض إدارة السجون وخارجه حيث إحتلت لوحاته أعلى المبيعات في معرض الجديدة وبعدها في المعارض التي أضحت تنظمها مؤسسة محمد السادس لإعادة إدماج السجناء
سامي وقبل مغادرته السجن استطاع أن ينشئ إذاعة خاصة بسجن طنجة كانت تنشط السجن طيلة النهار وفترة من الليل وكان في نفس الآن يراسل إحدى الأسبوعيات ككاتب إفتتاحيات ومواد رئيسية من داخل السجن حيث يعتبر اليوم الإستثناء المغربي الكبير الذي إستطاع أن يعيد بناء حياته داخل السجن قبل ينطلق مدمجا دون أدنى نقص اليوم بعائلة جديدة معتنقا مهنة المتاعب من جديد من داخل إحدى الإذاعات الخاصة بالبيضاء.
بنسودة الذي حوله السجن الى مسرحي وقصاص
لم يكن بنسودة سوى ذاك الإطار البنكي الذي اعتاد أن يشرف على وكالة بنكية كبيرة ومهمة وسط البيضاء والتي تضم رجال أعمال من الطينة الكبيرة وكانت تربطه علاقة جيدة مع أحد تجار البيضاء الكبار المسمى أوكريد
وفي لحظة شرود قرر مدير البنك أن يستولي على جزء من ثروة أكريد حيث قتله ودفنه في بهو حديقة فيلا في المحمدية أدين بالإعدام حيث تحول من مدير بنك الى مجرد رقم في سجن عكاشة إلا أنه مع انطلاقة محمد عزرية الثقافية بالسجن تمكن من الانخراط في الأنشطة الثقافية التي ينظمها السجن ومنها الى تكوين فرقة مسرحية أشرف على كل نصوصها بدء بالكتابة والتمثيل والإخراج وإستطاع أن يقدم منتوجه الفني بمسرح محمد الخامس حيث تابعه العديد من الفنانين والمسؤولين
إستطاع في السنتين الماضيتن أن يقدم منتوجا أدبيا جيدا نال إعجاب القراء كما تمت فيه قراءات متعددة ومازال إبداعه مستمرا بسجن عكاشة.
استثناء من خارج أرض الوطن
في أحد السجون الإيرانية كان نفر آخر قليل من السجناء منهمكون في الترجمة من لغات مختلفة الى الفارسية. فقد كان مجيد أمين مؤيد، وهو محكوم بالسجن المؤبد لنشاطه ضمن الفرقة الديمقراطية الآذربايجانية، ومن مواليد عام 1931 في تبريز وحاصل على شهادة الليسانس في الادارة، ضليعاً في اللغة الفرنسية إضافة الى أنه كان يجيد اللغة الانجليزية، وبالطبع اللغة الفارسية ولغته الام الآذرية. إنه وحتى الآن يعد أحد المترجمين والنقاد المعروفين على الساحة الإيرانية.
فقد ألف مجيد أمين مؤيد العديد من المؤلفات والمؤلفات المترجمة مثل كتاب «مرور بأفكار برتولد بريخت»، كما ترجم بعض إبداعات الكاتب الأمريكي آرثر ميلر مثل « نظرة من الجسر» و»سحرة مدينة سالم»، وقصة «موسى» لهوارد فاست، و»العلاقة بين الفن والواقعية من وجهة نظر علم الجمال» للفليسوف الروسي تشرنيشيفسكي، و»التاريخ الاجتماعي للفن» لآرنولد هاوز، و»الثورة الفرنسية العظمى وآثارها العالمية». وقد قضى مجيد أمين مؤيد في السجن مدة 18 عاماً حيث تحرر من قيوده بعد انتصار الثورة الشعبية في إيران عام 1979. أما أحمد قاضي، وهو من عائلة الشهيد محمد قاضي، ومن أهالي مهاباد والمتهم بنشاطه في الحزب الديمقراطي الكردستاني الإيراني، ومحكوم بمدة خمس سنوات، فقد كان ضليعاً في الترجمة من اللغة الإنجليزية الى اللغتين الفارسية والكردية.
حسن قرنفل يؤكد أن السجين الاستثنائي فجر فقط ملكته التي كان يملكها خارج السجن
وحسب الأستاذ حسن قرنفل عالم الاجتماع وعميد كلية الآداب والعلوم الإنسانية في الجديدة أن إعادة تقبل السجين داخل المجتمع بعد مغادرته السجن تبقى مرتبطة بثقافة المجتمع ومدى إستعداده لتغير نظرته الى هذا السجين السابق الذي من الممكن أن يكون ارتكب جرمه في حالة غضب أو عن طريق الخطأ وبالتالي هل المجتمع المغربي مستعد أن يتقبل السجين السابق حتى تتحقق قضية إدماج السجين مؤكدا على أنه يجب تغيير نظرة المجتمع حول السجن ذلك أن المجتمع الذي يرفض السجن كمؤسسة للإصلاح فإنه يرفض السجين أيضا
أما السجناء الاستثنائيون فقد أكد قرنفل أن دخولهم الى السجن فجر تلك الموهبة التي يتوفرون عليها ولم يستطيعوا في يوم من الأيام إبرازها وهم خارج أسوار السجن كما أن الظروف المعيشية داخل السجن تدفع اليوم و أكثر من أي وقت مضى النزيل الى المساهمة في تطوير نفسه من خلال ولوج المكتبات السجنية ومتابعة الدراسة الجامعية والمهنية وتوفير شروط الإبداع كما يحدث في العديد من المؤسسات السجنية
وأضاف أن جميع نزلاء السجناء من الممكن أن يساهموا في الرقي بالمجال الثقافي والإبداعي والمهني والدراسي إن هم اجتهدوا بشكل جيد وساعدتهم الإدارة في تفجير إبداعهم المتنوع بتوفير الأمكنة وأدوات الاشتغال
وختم تصريحه لجريدة الإتحاد الاشتراكي بالقول أن الإستثناء يوجد خارج السجن كما في داخله لأن المؤسسة السجنية التي تضم المثقف كما غيره هي مجرد مجتمع مصغر يكون صورة طبق الأصل بالنسبة للمجتمع الذي نعيش فيه أحرارا.
 …  نشر في الاتحاد الاشتراكي 

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

إغلاق