باحثو الإحصاء بالعالم القروي…”هاز صاكي وعايش جوال” 

الإحصاء

تحول الباحثون في الإحصاء العام للسكان والسكنى، الموكولة إليهم المهمة بالعالم القروي، إلى رحالة ومتسلقين للجبال الشامخة بمسالكها وتضاريسها الوعرة، بحثا عن منازل وتجمعات سكانية متناثرة بدواوير يعشعش فيها الإهمال والتهميش والإقصاء، أملا في ملء استمارات تشكل العمود الفقري لإنجاح هذه العملية المراهن عليها لوضع خريطة ناجعة لتنمية اجتماعية واقتصادية مهمة. ويصطدمون في أداء مهمتهم بعراقيل ومشاكل مستعصية بعضها له علاقة مباشرة بتضاريس المناطق المعنية لإحصاء سكانها، وانشغال السكان القرويين بجني محاصيل أشجارهم المثمرة خاصة من اللوز والتين، بشكل يجعلهم لا يعودون إلى منازلهم إلا ليلا، ويفرض على الباحث إدخال تغييرات على أجندته وتأجيل المهمة إلى الليل وجمع أرباب الأسر المحصية بمسجد أو منزل معين. 
ورغم الحفاوة وكرم الضيافة الحاتمي الذي يقابلون به من قبل أهل البادية المتعودين على ذلك، فإن الصعوبات المطروحة ميدانيا، ترهق الباحثين الذين يحق القول فيهم ما قاله المغني من “هاز صاكي وعايش جوال”، في جولات مكوكية بين الشعاب والأودية والمنعرجات والجبال العالية التي تخفي واقعا مزريا يكتشفونه لأول مرة عكس الخطابات الرسمية، بقرى لم تنعم بمبادرات التنمية.
بعضهم لن يعود إلى أسرته إلا بعد إنهاء المهمة المرهقة بمشاكلها اليومية التي تمتد لساعات طويلة من الصباح إلى المساء، وآخرون يبقون أكثر حظا بتعيينهم بدواوير قريبة من أماكن سكناهم، في ظل تفاوت المعاناة بينهم بتفاوت درجة تهميش المناطق المكلفين بإحصائها بمختلف القرى والبوادي بالمنطقة الشمالية الوسطى خاصة المنتمين منهم إلى أدغال أقاليم بولمان وتاونات وصفرو.
بإقليم تاونات على سبيل المثال، تعيش نسبة مهمة من المجندين للمهمة المقدر عددهم بنحو 1190 عنصرا، مرارة البحث وإنجاز الاستمارات خاصة ببعض الدواوير بمختلف الجماعات القروية، غير “المربوطة” بمسالك طرقية تكفل سهولة الولوج إليها، حيث تبقى الأقدام والدواب الوسيلة الوحيدة لاختراقها لاكتشاف عالم من معاناة سكان بعضهم ما زال بعيدا عن أعين واهتمام كل برامج التنمية.
تلك المشاكل تنضاف إلى ما رافق انطلاق العملية من معاناة مع التنقل كان سببا في احتجاج باحثين بمنطقة قرية با محمد لم يرضهم تجنيد سيارات “البيكوب” لنقلهم إلى تلك الدواوير البعيدة والنائية ليس فقط بتاونات بل في غالبية الأقاليم بالمنطقة التي تشكل البوادي نسبة مهمة من سكانها ورقعتها الشاسعة المترامية، فيما تقل تلك المعاناة نسبيا بالنسبة إلى باقي المجندين في العملية خاصة المراقبين.
النقل من بين المشاكل الحقيقية التي يعانيها سكان البادية، ومطلوب من الباحثين حصر حجم معاناتهم معه بملء الخانات المتعلقة به بالاستمارة، كما هي معانتهم مع بعد المدارس والمستوصفات والمؤسسات العمومية، برقعة ما زال شعار “تقريب الإدارة من المواطن” المرفوع بمناسبة وبدونها، بعيدا عن أهلها المحتاجين إلى مساءلتهم حول ظروف معيشتهم وظروف سكنهم.
   نشر في الصباح يوم 07 – 09 – 2014

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

إغلاق