قصة راعية تحول عرسها إلى مأتم بتافراوت

راعية

في الشعاب الواقعة بين كل من بلدية تافراوت وقبيلتي أمانوز وتاسريرت ، يقطن عشرات الأشخاص من “البدو الرحل” القادمين من مناطق بعيدة، ويمارسون طقوس حياتهم اليومية بالطريقة البدائية البسيطة التي ألفوها بعيدا عن متطلبات الحياة التي يعيشها غيرهم من المغاربة خاصة في المدن.
ويتوزع البدو الرحل على عدد من التجمعات السكانية الصغيرة على امتداد تلك الشعاب منها “أسيف أونمر” و”أسيف ن تزرت ” و ” دو مالو ءودرار ” أما منازلهم فهي عبارة عن “أكواخ” مبنية من أثواب صوفية خشنة وسعف النخيل والقش، وتفتقر لأبسط احتياجات الحياة، ويحرصون على ترك مسافة بين كل “كوخ” وأخرى حتى يتيحوا مجالا لحركة الماشية لديهم.
أما سبب استقرارهم في هذه المناطق بالذات من أرض تافراوت فلكونها تضم آبارا لا تنضب من الماء على طول السنة ولكونها أصلا عبارة عن مناطق تتجمع فيها أغلب المسيلات المائية القادمة من أعالي ” أدرار مقورن ” .
الحاج عمر ءوسالم هو أحد هؤلاء البدو الرحل ذو الأصول التامنرتية (نسبة إلى قبيلة تمنرت) بل وأقدمهم استقرارا في قبيلة تافراوت ويعتبر نفسه واحدا من أهل تلك الأرض يعرفهم ويعرفونه كان أول ما قدم إليها مستقرا بمنطقة “أسيف ءونمر” أوائل هذا القرن وهناك عرفه الناس ب ( الداعمر أصحراوي) وكانوا يشترون لديه حليب المعز والإبل ، رجل فاره الطول لا تخطئه العين مهنته الوحيدة امتلاك و رعي الأغنام والإبل، عاش حياته يرعى مواشيه ويهتم بها، بل وأنشأ أطفاله على ذلك منذ الصغر، حاله ميسور ولو شاء أن يعيش حياة غير تلك التي يعيشها الآن لأمكنه ذلك ، أولاده الذكور يمارسون التجارة بمدينة الرباط وقد يئسوا من دعوته لترك حياة الترحال لكن دون جدوى .
بعد أدائه مناسك الحج قبل بضع سنوات انتقل لمنطقة “تيزيرت” بحثا عن الماء بعد ما جفت الآبار بوادي ” أنمر ” انتقل هو وزوجته المنهوكة من جراء سنوات الترحال و”تعزابت” وهي المرأة الوفية الملازمة للحاج عمر في حله وترحاله ومعهم البنت الصغيرة ” الزهرة ” وهي في عقدها الثاني تتكلف برعي قطيع الماعز والأغنام ، ورغم ما يبدو عليها من مظاهر الفقر والحرمان من التعليم والصحة وأشياء أخرى، لكنها تظهر قدرا كبيرا من القبول بمعيشتها وظروفها. ولها علاقات مع بعض نساء الدواوير التي تصادفهم في تحركاتها .
الزهرة أتاها عريس هو ابن أحد أصدقاء الحاج عمر ءوسالم في المهنة ومن أصوله يقطن بدوار تيزي بواحة أيت منصور ليخلصها من قساوة حياة البدو الرحل وليسكنها منزلا اسمنتيا عوضا عن الخيمة المتهالكة ، الأمُور سارتْ على نحوٍ طبيعِي في الزفاف نهاية الأسبوع الأخير من شهر غشت المنصرف ، ولم تنسى الزهرة من كانت تلتقي بهن في شعاب تيزيرت واتصلت بهن واحدة واحدة تدعوهن لعرسها ، كان عرسا كاملا دعي اليه أغلب سكان دواوير الواحة … اجتمع الجمع على مائدة وجبة غذاء يوم السبت الماضي ومرت الأمور كما يجب ، وانصرف الناس تاركين العريسين في خلوتهما ، لكن ألم وعياء شديدين ألما بهما ليلة السبت- الأحد كدرت أجواء فرحهما سرعان ما اكتشفا أن الأهل يعانون كذلك من نفس الأعراض ، لينتقلوا صباح يوم الأحد للمركز الصحي بمدينة تافراوت ليفاجئوا أن الأمر تجاوز الألم والمغص ليصبح حالة تسمم جماعي من جراء وجبة الغذاء التي قدمت في عرسهما .
من جراء هذا التسمم استقبل المركز 18 حالة منها 7 نساء ، نقلت خمس حالات منها في حالة الخطر للمستشفى الجهوي الحسن الثاني بمدينة أكادير ( ثلاث ذكور وامرأتين ) توفي المدعو قيد حياته محمد بازغي وهو من مواليد سنة 1940 ويعاني من مرض السكري ، وأعلنت حالة التأهب القصوى حيت باشرت مصالح الدرك الملكي بتافراوت بتنسيق مع السلطات المحلية وأطر مندوبية الصحة التقصي حيث تم أخد عينات من الوجبة وتم إرسالها لمختبر التحليلات الطبية التابع للدرك الملكي بالعاصمة الرباط .
لازالت ” الزهرة ” وزوجها يرقدان بالمركز الصحي بمدينة تافراوت في انتظار تعافيهما وبقية الحالات الأخرى ، لتنتهي مرحلة قاسية من حياة هذه الشابة التي عانت ويلات الترحال و الرعي لتلج عش الزوجية بسيناريو مأساوي سيتذكره كل من حضر عرسها من أهالي إكنان .

أدرار بريس – تافراوت

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

إغلاق