جماعة “سبت النابور” بسيدي إفني … حكاية قرية يتحول سكانها إلى قردة وينتظرون الموت الأسود

سبت النابور

تبدو من بعيد كطفل يتشبث بصدر أمه عند قدم الجبل كأنها استأنست به واستأنس بها منذ عشرات السنين منذ أن اختار سكان هذه الجماعة الإستوطان في هذه الربوع النائية هربا من الفتن والحروب التي كانت تشهدها المنطقة من حين لآخر ذلكم حال جماعة قروية تابعة إداريا إلى قيادة “تيغيرت” بإقليم “سيدي إفني” جنوب مدينة “أكادير” على مساحة تمتد على ما يقارب 100 كيلومتر مربع و تضم أزيد من 84 تجمع سكني منعزل.

قرية من الزمن القديم

كانت عقارب الساعة قد شارفت على 11 صباحا عندما وصلنا إلى مدينة “تيزنيت” أحسسنا أن خطى الزمن بدأت تتثاقل كأننا على مشارف عوالم أخرى لا تنضبط لإيقاع الحياة الذي ألفناه في المدن، هنا الزمن له إيقاعه الخاص وعلى الجميع أن يسايره ولا يقبل من يتمرد عليه، 114أمضينا بعض الوقت في انتظار إحدى المواصلات المتاحة للتوجه إلى “سبت النابور”، بعد أزيد من ساعة عثرنا أخيرا على “خطاف” أو كما سماه أحد الظرفاء من الركاب “العتاق” وهي سيارات أجرة غير مرخص لها تعتبر الوسيلة الوحيدة لنقل السكان، لأن بقية سيارات الأجرة ترفض العمل بهذه الطرق لرداءتها ويتطوع مجموعة من الشباب يستعملون سيارتهم الخاصة لنقل السكان مقابل مبالغ مالية، لكن الأمر يبقى محفوفا بالمخاطر، بعد أن تجاذبنا معه أطراف الحديث عن القرية ومشاكلها التي همت كل المجالات الحيوية المؤهلة لبناء جماعة حديثة.

مركز طبي مع وقف التنفيذ

تشير آخر الإحصائيات الرسمية إلى أن سكان جماعة “سبت النابور” يتجاوزون ثمانية آلاف نسمة إلا أنها لا تتوفر إلا على مركزين صحيين، يتواجد الأول بقبيلة “آيت كرمون” وهو دائما مقفل بشهادة معظم السكان. رغم أن البيانات تؤكد أن هذا المركز عين به ممرض، أما المركز الثاني والرئيسي فيوجد بقبيلة “تجاجت”، فتعمل داخله طبيبة وممرض، إلا أن عملهم لا يتجاوز يومين في الأسبوع مما يعرض كل حالة مستعجلة إلى الهلاك. ويشكو سكان جماعة “النابور” من ضعف الخدمات الطبية المقدمة لهم مادام المركز الصحي لا يتوفر على التجهيزات الضرورية لإجراء أي عملية مستعجلة، فضلا عن قلة الأطر الطبية المتخصصة وغياب مولدة مما يجبر الحوامل على وضع مواليدهن في المنازل وبطرق تقليدية بدائية، مما يعرض عشرات النساء الحوامل المواليد الجدد للخطر.

أما سيارة الإسعاف فلم توفرها الجماعة إلا بعد توقيع بعض الجمعيات الفاعلة مجموعة من العرائض لكن بقيت حبيسة مرآب الجماعة لعدم وجود سائق رسمي قار مع وجوب أداء كل حالة مرضية واجب البنزين بالكيلومتر الأمر الذي لا تقوى عليه أغلب الأسر في هذا الجزء القصي من مغرب الألفية الثالثة.

الموت الأسود111

هو موت أسود يتربص بكل من يتحرك في تلك الأرجاء ليلا ونها را يتمثل ذلك في تلك العقارب ذات اللون الأسود الفاقع والتي تتواجد بأعداد هائلة خاصة عندما ترتفع درجة الحرارة. فكثيرة هي الوقائع التي يرددها أهل القرية عن وفاة أبنائهم أو أحد أقاربهم بسبب لسعات العقارب السامة المميتة خصوصا في فصل الصيف حيث تخرج هذه الكائنات عندما يضيق بها باطن الأرض، لكن السكان وضحايا لا يجدون حلولا سريعة تنقذهم من هذا الموت الأسود المتربص بهم في كل الأماكن. لم يكن وفاة طفلة تبلغ من العمر 8 سنوات، الحادث الأخير الذي تشهده القرية فالجميع لا زال يتذكر كيف لسعها عقرب سام على حين غفلة منها، أمها لاتزال تندب دائما حظها السيئ لوجودها وحدها في البيت دون أن تجد من يساعدها لنقل ابنتها للمستشفى تغالب دموعها عندما كانت تروي فاجعتها معلقة “ما عندي لا حنين و لا رحيم”، كانت ملقاة في الأرض وهي تحتضر ولم أجد ما أفعل لها غير قليل من العسل أضعه في موضع اللسعة إلى أن فارقت الحياة بين يدي.. وتوقفت عن الأم عن الحديث لتغرق في بكاء حزين.

“فليكس موغا” يظهر من جديد

رغم مرور أزيد من ستة عقود على مرور المعمر الفرنسي من تلك القرى النائية حيث كان ينتقي شباب المنطقة من ذوي اللياقة البدنية القوية الأمين الذي لا يعرفون مجرد كتابة أسمائهم وكان ينقلهم للعمل كالعبيد في مناجم الفحم الحجري بشمال فرنسا، واليوم لازال أبنائهم وأحفادهم يذكرون هذا المعمر الفرنسي الذي نكل بأجدادهم ولكن على الأقل لازالوا يتقاضون معاشا تؤديه لهم الدولة الفرنسية يعتبر المدخول الوحيد للرزق بالنسبة لهم.

أحد الظرفاء بالمنطقة يطلب من حين لآخر من أبناء القرية أن يرفعوا أكف الدعاء بالرحمة لهذا المعمر ويقول لكان قبره قريبا منهم لاستحق التقبيل.

112حياة تساوي 300 درهم

يحكي أحد سكان القرية بنبرة ممزوجة بمرارة ولوعة أنه فقد ابنه فقط بسبب الطريق الوعرة وعدم توفره على مبلغ 300 درهم التي طلبها منه صاحب سيارة الأجرة ليوصله إلى المستشفى الإقليمي بمدينة “تيزنيت” ذهبت حياة ابنه و معها جزء منه لا زال ””أتذكره إلى الآن و(زاد) كيف أنساه وقد وافته المنية بين ذراعي و أنا عاجز عن توفير بضعة دراهم كواجب لوسيلة النقل وغياب سيارة الإسعاف، نحن في قرية إذا مرضنا ننتظر الموت فهو أهون لنا من العذاب ومشاق الطريق إلى مركز صحي لا نعرف إلى الآن في أي يوم يفتح بابه الحديدي”.

قرية سكانها يتحولون إلى قردة

سكان هاته القرية لا يموتون بل يكبرون ويتحولون إلى قردة فيصعدون إلى أعالي الجبال للحراسة هكذا أجابنا عن سؤالنا عن عدد الوفيات سنويا بالقرية المقاول علي وهو من سكان قرية “ادبنوارى” الذين هاجروا منذ الثمانينات إلى الدار البيضاء وتركوا منازلهم أطلال وذكريات لا يزورونها إلا عند الإحساس بالحنين إلى قريتهم التي استفاد منها قلة قليلة كما يقول أهلها .

بصوت عال وحاد يقول السيد “علي” أن السكان يفتقرون إلى أبسط شروط العيش الكريم، أما عن المركز الصحي فيؤكد جازما أن السكان لا يذهبون إليه لأنه ذهابهم مضيعة للوقت فقط، مادام أي واحد متوجه له سيجده مقفلا في وجه، والدخول إليه عبارة عن زنزانة بلا هواء.

نداء شباب جماعة “سبت النابور”

مهما هاجرت الطيور فهي تعود إلى أعشاشها، والإنسان أيضا مهما هاجر واغترب فسوف يعود حيثما إلى بلدته إلى أرض أجداده وآبائه، إنها غريزة فطرية، فــ”تمازيرت” في القلب فهي الأصل والمنبع، هكذا يرددها شباب هاته القرية وقتما رجعوا في أحد العيدين الدينين لا غير، متبرئين من أولئك الذين تحملوا مسؤولية تسيير شؤون القرية والدفع بها بالتنمية والعناية لكن ما قاموا به عكس ذلك .

تقرير  ياسر الخلفي / سبت النابور

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

إغلاق