أرانب السباق الحزبية

أرانب

ظاهرة غريبة تلك التي ترخي بظلالها، وقل بظلامها، على الأجواء السابقة لانعقاد المؤتمرات الوطنية التي تفضي، عادة، إلى انتخاب الأمين العام “الجديد” للحزب. في هذه الأجواء، إذن، تطفو على السطح وجوه وأسماء، تصنّف في صفوف القيادة الحزبية، تعلن، بلهجة ثورية، أنه حان الوقت لوضع حدّ لاحتكار القيادة وتوالي الولاية. حدث هذا ويحدث في مختلف الأحزاب التي تؤثّث المشهد السياسي بالبلاد، لا فرق بين الأحزاب التي يقال إنها يمينية أو يسارية أو وسطية أو إسلامية أو متطرفة جهة اليمين وجهة اليسار. في هذه اللحظة أيضا تظهر “أرانب السباق”، التي تردد نفس الخطاب الثوري، معلنة ترشحها. وبما أن هذه الأرانب تدرك دورها، وتحفظ درسها، فإنها تعرف النقطة الكيلومترية التي تنسحب عندها، تماما كما يحدث في السباقات الطويلة المسافات في رياضة ألعاب القوى، تاركة ما تبقّى من المسافة، وهي قصيرة، ل”الأرنب الكبيرة” التي تدخل بمفردها، ويتمّ تتويجها باللّقب تحت عاصفة من التصفيق والتشجيع من طرف الجماهير التي تزكّي، بدورها، هذا الإنجاز غير المسبوق ل”الأرنب الكبيرة”. يرتفع الإيقاع باقتراب يوم السباق. وقبل ذلك يتمرّن المتنافسون على كيفية الأداء المطلوب بتسخينات تتراوح بين الصعود والهبوط، وبتلويحات في اتجاه المناضلين بأن وقت “التغيير” حان. وعند “الفورة يظهر لحساب”. لكن الفورة لا تسفر عن الثورة الموعودة بل عن مجرد دورة حول الزعيم. وفي هذه الأجواء ترتفع شعارات من قبيل التخليق السياسي وهو شعار يظل راقدا في رفوف وأدراج الحزب حتى يتلفه الغبار كما تظهر كتل وتيارات هنا وهناك حول هذه “الأرنب” أو تلك، وتتم الإشادة في نفس الوقت بالروح الديمقراطية السائدة في الحزب. لكن تتم الإشارة أيضا إلى أن الظروف السياسية الحالية، والمصلحة العامة للحزب، والمصلحة العليا للوطن، تقتضي إعادة انتخاب “الأخ” الأمين العام لولاية أخرى. كل هذه المصالح من أجل عيون “الزعيم”. وكل حزب بما لديه فرحون. أما الأسطوانة الخالدة التي تتردد في مختلف الأحزاب فتقول: قرر الأخ الأمين العام الرضوخ لرغبات المناضلين التي تطالب بترشّحه، بل بتجديد ولايته. لكن، لماذا لا يرضخ لرغبات المناضلين الذين يطالبون برحيله؟ حدث هذا ويحدث في مختلف الأحزاب، العتيدة منها والعنيدة. في حزب الحركة الشعبية حيث الحركة تدور جيدا خرج “أمغار الزايغ” يطالب بقوة مساندة محند العنصر الذي أطاح به في يوم ما، في وقعة مسرح محمد الخامس المشهودة التي خرج منها “الزايغ” أحرضان لا يلوي على شيء. ويعود “الزعيم أمغار” بعد عقود من الزمن ليقول إن الظرف السياسي يفرض ذلك. وكأنّ حدثا جللا سيطرأ بين الفينة والأخرى إذا لم يتم الالتفاف حول الزعيم المرشح. وما على المرشح غير الزعيم لحسن حداد سوى انتظار المفاجأة أو المعجزة لكي يتربّع على كرسي زعامة الحركة إذا ظهر “حركيون” من نوع الذين “طلع الدم في رؤوسهم” لقلب الوضع رأسا على عقب، أو انتظار عقود أخرى يقول بعدها “هرمنا من أجل هذه اللحظة”. نفس الشيء في حزب التقدم والاشتراكية، مع فارق في خطاب فرق المتكلمين الذين ينادي أغلبهم بضرورة إعادة بناء حزب علي يعتة، وإخراجه من الغيبوبة التي يوجد فيها. كلام يقول به امحمد كرين، وسعيد السعدي، وعبد الحفيظ كرين وغيرهم. لكن خطابا نسويا قفز إلى الواجهة في شخص نزهة الصقلي التي تقول رسالتها إن دافعها للترشح هو وضع حدّ لهيمنة الرجال على رئاسة الأحزاب، ورد الاعتبار للقضية النسوية فيما يتعلق بالمساواة والمناصفة في المجال السياسي. ولم تخرج بدورها عن اللاّزمة الكلاسيكية التي تتردد في سائر الأحزاب والتي تقول بالرضوخ والاستجابة لطلبات وضغوط المناضلين والرفاق والإخوان للترشح لزعامة الحزب. هكذا بزغ نجم شباط في الاستقلال ليصبح زعيمه السياسي في حزب علال الفاسي؛ وصعد نجم لشكر في الاتحاد الاشتراكي ليصبح كاتبه الأول الذي ليس له ثانٍ؛ وسيبقى هو الأول إلى أجل مسمّى، كما برزت وتبرز زعامات هنا وهناك تساعدها “أرانب سباق” في تبوّؤ الزعامة التي لن يغادرها هذا وذاك إلاّ بشقّ الأنفس، أو بعد التهديد بشقّ الحزب، أو بالموت.

حمادي الغاري

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

إغلاق