ميناء أكادير بين المؤهلات وإكراهات الواقع

ميناء أكادير

سلطت المائدة المستديرة التي نظمتها جمعية ملتقى إيزوران نوكَادير،يوم السبت الماضي لتخليد الذكرى54 لإعادة بناء أكادير،وبمناسبة اليوم العالمي للمباني والمواقع التاريخية ،الضوء من جديد على ميناء أكادير باعتباره أهم شريان اقتصادي بجهة سوس ماسة درعة،يرتبط بأهم نشاط ملاحي زاوله أهل سوس لما يزيد عن قرن من الزمن،فيما يتعلق أساسا بالمبادلات التجارية والصيد البحري التقليدي.

وإذا كانت هذه المائدة المستديرة قد أماطت اللثام عما ينتظرهذا الميناء من تغيرات وتحولات حتى يكون مناسبا لوظائفه الجديدة ضمن مخطط استراتيجي وطني للموانئ المغربية في أفق 2030،فلأنه أثارنقاشا على أوسع نطاق بين منتخبي وبرلمانيي المنطقة ومكونات المجتمع المدني،وامتد هذا النقاش إلى عموم الناس،حول المصير الذي سيؤول إليه هذا الميناء،بعدما قدم 48 برلمانيا من عدة أحزاب سياسية ملتمسا من أجل هيكلة هذا الميناء وتغييروظيفته من ميناء للصيد البحري إلى ميناء ترفيهي كبير.

لكن هذا الإقتراح وجد معارضة من قبل بعض البرلمانيين والمنتخبين وعلى رأسهم طارق القباج،على اعتبار أن الميناء يلعب دورا اقتصاديا ويشغل عددا كبيرا من البحارة والمستخدمين،وعلى اعتبارأنه يرمزإلى ذاكرة تاريخية للمدينة والجهة لايمكن إزالته وتحويل وظيفيته بهذه السهولة،فضلا عن كون المقترح المقدم إلى الجهات العليا لم يتم فيه استشارة المجلس البلدي لأكَادير،حول وظيفته وآفاقه مستقبلا.

وكانت المائدة المستديرة التي شارك فيها كل من البرلمانيين الحسين أشنكَلي(التجمع الوطني للأحرار)وأحمد أدراق(العدالة والتنمية)وعبداللطيف أوعمو(التقدم والإشتراكية) وطارق القباج والسعدية باهي(الإتحاد الإشتراكي)،فرصة ثمينة لتتبع العرض الذي قدمه المدير الجهوي للوكالة الوطنية للموانئ،منيرالحراق حيث استعرض فيه نشاط الميناء منذ تاريخ تأسيسه وما لعبه من وظائف ما بين 1917و1933،وفي الفترة الزمنية سواء قبل زلزال أكَادير،أوبعد إعادة بناء مدينة الإنبعاث.

وقدم مختلف الأنشطة التي يزاولها اليوم على المستوى التجاري والصيد البحري وغيرها من الأنشطة التي لها ارتباط بالقطاعات لإقتصادية الحيوية بالجهة كالفلاحة والسياحة والمواد الغذائية والمعادن والغابات،حيث أشار إلى حجم وأرقام الواردات والصادرات.

وهنا طرح المديرالجهوي سؤالا جوهريا حول إمكانية استمرارهذا الميناء في لعب الوظائف نفسها،وتلبية حاجيات هذه القطاعات الحيوية بالجهة،ولعب دورالقطب المينائي الكبيرالمفتوح على القارات الثلاث الإفريقية والأروبية والأمريكية…

                             الإستراتيجية الوطنية للموانئ لميناء أكادير

وتبين من خلال لغة الأرقام سواء المقدمة أوالمحتملة في أفق 2030،أن الوكالة الوطنية تراهن عن تهيئة هذا الميناء حتى يصبح في مستوى القطب المينائي الكبير(ميناء سوس تانسيفت)،ويعمل على تثمين السياحة كنشاط أساسي بالمدينة في الوقت الذي قلت وظيفته الأولى (الصيد البحري)،بعد أن نضبت كميات السمك به،وظهرت موانئ جنوبية أصبحت تلعب هذه الوظيفة.

وفيما يخص الإستراتيجية الوطنية،فقد ركز العرض المقدم على أن الدولة المغربية تطمح إلى هيكلة قطاع الموانئ في العشرين سنة القادمة من خلال إحداث 13 ميناءا مفتوحا في وجه التجارة الخارجية منها ميناء أكادير،و10موانئ للصيد الجهوي و9 مواني للصيد المحلي و6 موانئ للترفيه منها ميناء أكادير،بحيث سيبلغ الحجم الإجمالي لنشاط الموانئ 92 مليون طن من ضمنها 20مليون طن تتم في إطار المسافنة.

وستسجل هذه الموانئ 24526 رسوا للسفن وتسقبل 43 مليون مسافر من بينهم 435000 من سياح الرحلات بالإضافة إلى معالجة إنتاج قطاع الصيد البالغ 15مليون طن،خاصة أنه خلال السنوات العشر الأخيرة سجل تزايد الطلب على هذه الموانئ التي عرفت تدفقات تجارية بشكل مطرد بحيث بلغ معدلها حوالي 06 في المائة سنويا وذلك بفضل السياسات الوطنية للتنمية الإقتصادية والإجتماعية المندرجة في سياق يؤمن باندماج الإقتصاد الوطني في الإقتصاد الإقليمي والدولي…

                       مركب ميناء أكاديرضمن ستة أقطاب مينائية وطنية

وعلى ضوء هذه الأرقام المقدمة عن وظائف الموانئ المغربية مستقبلا،جاء في العرض المذكور،أن الدولة عازمة على إنشاء ستة أقطاب مينائية:القطب الشرقي الذي سيوجه نحوأروبا وحوض الأبيض المتوسط وخاصة دول المغرب العربي،وقطب الشمال الغربي يشكل بوابة للمضيق مع طنجة،وقطب القنيطرة – الدارالبيضاء(يضم ميناء المحمدية والدارالبيضاء)،وقطب عبدة دكالة(ميناء الجرف الأصفر،وميناء أسفي،سيخصصان للصناعة الثقيلة)وقطب سوس تناسفيت(المركب المينائي بأكادير)وقطب موانئ الجنوب (طانطان والعيون والداخلة).

وهكذا نفهم أيضا من خلال هذا العرض أن هذه الأقطاب المينائية تتطلب إنشاء بنيات تحتية في قطاع الموانئ خلال العشرين سنة القادمة بمبالغ استثمارية مهمة جدا حتى تكون هذه الأقطاب ملائمة مع الطلب المتزايد عليها حسب وظائفها المخصصة لها في ظل التحولات الكبرى التي سيشهدها هذا الطلب في أفق ‌2030.

لذلك لابد من تطوير الخدمات المينائية بمواصفات دولية،بالموازاة مع استراتيجية تطوير الدولة للمطارات والملاعب الرياضية والطرق…من أجل هدف واحد هو خلق فرص استثمارللفاعلين الإقتصاديين وفرص شغل إضافية للمواطنين،ومن ثمة فرهان الوكالة الوطنية هوتطويرميناء أكادير.

أسئلة تظل معلقة حول مآل ومصيرميناء الصيد البحري بأكادير

لكن كيف سيكون هذا التطور،هل بإزالة ميناء الصيد البحري وضمه عقاره للميناء الترفيهي بلامارينا،أم بضم ميناء الصيد البحري إلى الميناء التجاري أم بجعله خاصا لإستقبال السفن والعبارات العملاقة الخاصة بالرحلات السياحية؟وأين سيذهب ميناء الصيد هل إلى ميناء سيدي إفني الذي هو في حاجة أيضا إلى إعادة إصلاح وهيكلة بشكل جذري حتى يلعب الدورالمحوري للصيد؟وأين ستذهب مراكب الصيد التقليدي هل بخلق قرية نموذجية لهذا النشاط إسوة بما هومعمول به بإيمسوان وإمي وداروتغازوت وتفنيت وأفتاس ؟ما مآل اليد العاملة المعدة بالآلاف التي تشتغل بهذا الميناء؟

إنها أسئلة تظل معلقة حول مصيرهذا الميناء ولم يتم الإجابة عليها بصريح العبارة من قبل الوكالة الوطنية للموانئ،مع أنه من خلال التوجهات العامة التي تسيرفيها الدولة ووزارة التجهيز،هوإعادة هيكلة هذا الميناء بجعله ميناء ترفيهيا كبيرا ليثمن السياحة بهذه المدينة في إطار مشروع سياحي يمتد من أكَاديرالمدينة إلى محطة تغازوت،وهذا في أفق تحويل الحي الصناعي بأنزا إلى جماعة سيدي بيبي وجماعة الدراركة…

الخوف من تشرد آلاف البحارة والباعة السمك والمستخدمين بهذا الميناء

وتبقى المقاربات الإقتصادية المستقبلية لوظيفة ميناء أكادير رهينة بمراعاة مقاربة اجتماعية لابد من أخذها بعين الإعتبار،وهذا ما دافع عنها الفريق الإشتراكي المكون من طارق القباج والسعدية الباهي،حيث دعا إلى استحضار مصيرآلاف البحارة وآلاف المستخدمين وآلاف باعة السمك سواء بالجملة أوالتقسيط بهذا الميناء والذين سيجدون أنفسهم في بطالة حقيقية إذا ما تحولت وظيفية الميناء من الصيد البحري إلى الترفيه السياحي…

وتحدث الفريق الإشتراكي الذي لم يوقع على ملتمس محو ميناء الصيد البحري بأكَادير ،عن الضمانات لتي ستجعل هذا الميناء السياحي الترفيهي ناجحا،علما أن مشروع لامارينا الذي سيضم إليه الميناء بات يحمل فشله،لأنه لم يستهدف السياحة الراقية كما راهن أصحاب المشروع عليه في دفترالتحملات،بل سياحة من نوع آخر،قد تسيء مستقبلا لهذه المدينة التي سمتها الصحف الفرنسية قبل الزلزال بميامي إفريقيا.

ومن ثمة فأية وظيفة جديدة للميناء ينبغي ألا تكون بقرارفوقي من جهات عليا،بل لا بد من مشاورة جميع المنتخبين والمجتمع المدني والفاعلين الإقتصاديين بالمدينة والجهة حتى تتبين الصورة الحقيقية لهذا الميناء إما بتوسيعه وهيكلته وتقوية بنيته التحتية أو بجعله ميناءا ترفيهيا على شكل نخلة دبي(الميناء الترفيهي السياحي الشهير)أو على شكل الميناء الترفيهي بالقنطاوي الذي يبعد عن مدينة سوسة التونسية بخمسة كيلومترات.

عبداللطيف الكامل

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

إغلاق