مايسة : مّي "إجّو" فعار الملك.. حتى تتحقق اللامركزية

مايسة

ذاك الڤيديو المبكي، الذي فتح جروحنا الغائرة ومرر بها سكين الألم والمعاناة من جديد، وحرك مشاعر ثورية في نفوس الكثيرين منا نحن المغاربة.. الذين ندفن بين ضلوعنا إحساس “الحڭرة”، إحساس لا يحتاج إلا لأنين امرأة عجوز أو صرخة رجل مسن ليستيقظ ويشتعل ويهيج بنا نحو سباب وشتيمة ولعن “بّاها بلاد”.. يدعونا إلى كثير من التساءلات حول مسار هذا البلد..
امرأة مسنة، “إبا إجو”، تصرخ بأمازيغيتها التي خرقت سماء الوطن، ومع ذلك لم تلتفت لها أقلام من يناضلون لإضافة الأمازيغية للنشيد الوطني وإعلان الهاتف والترامواي والبورصة.. هؤلاء المناضلون المزيفون الذين نسوا أن الأمازيغية هي امرأة، وليست شعارات بثمن. تصرخ بصوتها النسائي الذي أحرق قلوب الرجال، ومع ذلك لم تهتز لها أحاسيس الجمعيات النسوية التي تدعو النساء إلى اتخاذ الرجال أعداء للحرب والقتال. تصرخ بانهزام وحسرة على الظلم الذي ورثته من سياسة هذا البلد، ومع ذلك لم يتحرك لأجلها سياسيون يخرجون ببطونهم وحميرهم وشيخاتهم يدعون إلى تعديل إرث البنت والولد. تتمرغ أرضا تشتكي ظلم أحد ذوي النفوذ الذي تسلط عليها وأخرجها من دارها هي وزوجها الشيخ العجوز، يطلبان العدل والحق أمام باب المحكمة الابتدائية بتزنيت.. فهل من مجيب؟
ظلم صاحب النفوذ هذا الذي قيل عنه أنه واحد من أكبر رؤوس لوبيات الفساد بالمنطقة، يجعلنا نفهم أنه لا يتحرك لوحده، ولا يظلم بمفرده، إنما هي مكنة وآلية ظلم تشتغل ضمن منظومة الدولة. فلا يمكن لشخص أن يستولي على منزل مواطن أو أرضه إلا بوثائق وشهادات مزورة موقعة موثقة لدى الوزارات والولاية والمقاطعات في المنطقة. إذن فهذا الشخص وأمثاله لا يمكن أن يتمادوا في طغيانهم واستيلائهم على أملاك المستضعفين من المواطنين إلا بوجود من يعينهم من المرتشين الفاسدين العاملين بإدارات الجهة…

كيف للجهوية واللامركزية التي يقدم عليها المغرب الآن أن تنفع المساكين أمثال مي “إيجو”، ولمن ستشكي ظلمها وقد ألف المغاربة رفع الشكاوي بعد الله سبحانه وتعالى إلى الحكم المركزي: “سيدنا”؟!!
يتألف المغرب إداريا من 16 جهة ويرأس الجهة والي. يعني أن المغرب به 16 واليا كل واحد مسؤول عن جهة معينة من جهات المغرب. والوالي يمثل الدولة والسلطة، أو مندوبا للحكومة على الصعيد الجهوي، أي على صعيد جهته. ويملك صلاحيات سياسية واقتصادية وإدارية واسعة، تخول له التصرف المطلق في تدبير شؤون الجهة! يعني إن كان الوالي فاسدا، ورجلا مرتشيا، فإن بيده من السلطة السياسية والاقتصادية والإدارية ما يجعل من الجهة “فيرمة ديال باه” ومن ساكنتها رعاياه.. تجده يفرق أراضي الجموع التي هي من حق الضعفاء استغلالها كأراضي فلاحية، على أقرانه من ذوي النفوذ ليستغلوها كمقالع، أو يحولوها إلى بنايات سكنية وشقق بالجملة تباع للطبقة المتوسطة بالقروض لتغرقهم وتأكل أموال الناس بالباطل قهرا وهم ينظرون. وطبعا تجد له رعايا في وزارة الداخلية يوقعون على الوثائق التي تخول له تفويت الأراضي والمقالع والمنازل كما يحلو له. ولا أحد يمكنه لا عبر القضاء، أي عبر المحكمة التي تدخل في نطاق جهته، ولا عبر الشرطة التي تدخل في نطاق إدارته، أن يأخذ منه حقا إلا عبر الدعاء إذ لا يمكنه سد السماء على المظلومين والفقراء.
حين تستقل كل جهة بواليها استقلالا يخول له الرئاسة الفعلية للجهة، وكأننا بالولايات المتحدةالأمريكية، حيث لكل ولاية رئيس “كاڤرنر” يديرها شؤونها بالمطلق ويقرر قوانينها ويعدل تشريعاتها، مثلا كولاية “كولورادو” التي قننت استعمال الحشيش بخلاف باقي الولايات الأمريكية كلها.. ويكون له حق النقض في مقرر قضائي، كما هو الشأن بولاية “يوتاه” حيث نقض الوالي مسألة تعدد الزوجات، وغيرها من الصلاحيات التي تجعل من الوالي ملكا على المنطقة، وربما تجعله أميرا للمومنين يقيل الأئمة إن عارضوه ويطلب منهم الدعاء له ولوالديه، كيف سيكون أمر مي “إيجو” ولمن ستشتكي؟ وكيف سيصل الأمر إلى “سيدنا” حين ستصبح الولاية بها حظر أرضي وجوي على بلوغ المواطنين للسلطة المركزية؟
العامل هو حاكم صغير على مدينة أو جزء منها، يدير ميزانيتها ويدبر أمر تصريفها. حين نتحدث عن العامل يجب أن يتبادر إلى أذهاننا الحفر في الطرقات، والأزبال والنفايات، وقلة سلات المهملات، والأحياء منعدمة الإضاءة، والمقاهي التي أصبحت تخرج كراسيها لتستعمر ممرات الراجلين، وإشارات المرور المعطلة.. يعني باختصار يجب أن يتبادر إلى أذهاننا ميزانية الشعب وأين تذهب!
الولاة والعمال يتم اقتراحهم من طرف رئيس الحكومة، ويتم تعيينهم من طرف الملك. ولم يفت أسبوع بعد على تنصيبهم، حيث نصح لهم الملك بالإصغاء إلى المواطنين والعمل على التجاوب مع انشغالاتهم، نصائح لا يثق أغلب المواطنين أنهم سيأخذونها على محمل الجد! ومعلوم أن رئيس الحكومة لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يكون على دراية كاملة بشخص وأخلاق ونزاهة 15 أو 16 واليا، و20 عاملا أو أكثر، فالسيرة الذاتية لا تكفي، والسمعة وحدها غير مضمونة، وأغلبهم يصل لا بالنزاهة إنما بالشطارة.. ولا يظهر أصل ومعدن المسؤول إلا عندما يشهده المواطنون قبل المسؤولية نحيفا وبعدها ببطن وسيارة!
وحين يحقق المغرب فكرة اللامركزية بشكلها الكامل، وتستقل الأقاليم والجهات بشكل مطلق عن الإدارة المركزية، لن يستطيع المواطنون حينها إزاحة وال أو عامل عن منصبه مادام أمره يعود إلى من نصبه! هنا طبعا تتضح الفكرة، أن الأحرى، لتكتمل ديمقراطية اللامركزية، وتعلم مي “إجو” لمن ستعود حين يجور عليها ويسلب منها بيتها كلب من كلاب ذوي النفوذ الذين يتسلطون على المساكين، وتعلم أن الوالي الذي يحكم جهتها رجل ثقة عادل سيأخذ مظلمتها بعين الاعتبار ويعيد إليها حقها، حتى تضمن اللامركزية الفكرة الحقة للامركزية، وتعود “مي إجو” إلى الوالي بدل أن ترهق “سيدنا” بالشكاوي.. عليها أن تختار الوالي.. وتنتخبه، ويكون للمواطنين أمر إزاحته عن منصبه إن ظهر منه ظلم أو حيف اتجاه الجهة!
يجب أن يتم تنصيب الولاة والعمال عبر انتخابات شعبية نزيهة، عبر صناديق الاقتراع، بمراقبة مشددة حتى لا تسود سياسة: 200 درهم للأصوات في المدن، و 10 درهم في البوادي والقرى!
حتى الآن.. ريثما تتحق اللامركزية والجهوية الموسعة بالشكل الذي خطط له الحسن الثاني رحمه الله ويطبقه الآن الملك محمد السادس بشكل تدريجي.. يبقى الوالي والعامل والموظفون بوزارة الداخلية والقضاة والقضاء نفسه تحت اسم المركز: ملك البلاد، وحق مي “إجو” بيد ملك البلاد، نطلب منه إنصافها من … الذي أخرجها من دارها ونهب حقها.

مايسة سلامة الناجي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

إغلاق