سر عاشق…للوطن

إبراهين حميجو

عشقتها..احببتها..سرت وراءها..تتبعتها بخطاي..صرت بها مغرما، كان ذلك منذ الصبا، منذ ان لمست المداد، والقلم في الكتاب، في القرية، وعلى الحائط كتبت، بحروف اولى، عشقت الكتابة..

لأني كنت قارئا لكل كتاب اصادفه، غير عابئ بعنوانه وما به من حكمة او بلادة وغباء، تبعت الاسطر، ثم سطرت الاسطر، وفي المدرسة ضربني المعلم المبجل المحترم على الكتابة، حين وجد شعرا ونثرا في كراساتي المدرسية، وحين قرا اشعاري اعتذر مني واثنى علي، فزاد حبي والغرام..

وحين الوحدة والليل، والناس نيام، اتسلل الى كراستي والاوراق، اخذ قلمي كالسارق، اتسلل في دجى الليل كمقدم على اغتيال، يغريني بياض الصفحات والعذرية، لاغتال صفاءها بهزيج امنيات وصراخ في العتمة، اكتب الامل، واختفي كمجرم هارب من عدالة..

ومرت الايام والقوافي، وسطرت اوراقا من جنون في زمن كامل العقل والصحوة، بداية كان الحب، فرسائل الحب فرسانا على جياد الحلم لتلك الحسناوات اللواتي اخذن بلبي كشاب مغتر، وكبر الامل، ورميت بالزندقة لتسويتي المحبوبة بالشمس والقمر، واتهمت بالعمالة للقلوب الرحيمة، ومرت الايام..

مرت الايام فكتبت عن المعاناة، عن اطفال رضع في البرد اللافح، غيرة على الوطن، و وسطية تديني فتمسكت بالدين في كتابي، غير ابه بمن يحرم العشق عبر الكلمات، ومن يكفر العلماني بلا دلالات، كتبت عن بعض جراح الوطن، بلا تفريط ولا افراط ولم انكر صفات الكرم، ولم احابي صفات البخل والشح والتفقير، غير عابئ بمن هددني بالويلات، من تجار الالام والدين والسياسة، ولا بمن يدس لي السم في الدسم، وتقارير وهمية كأني مكر وغدر وكراء..

ومرت الايام، ناولت حروفي بناني وعبق الكلمات، وببراءة اطلقت العنان للمداد على صفحة الامل، نعم عشقت العمل واخلصت وابتكرت، وكان لي اصدقاء خافوا مني وعلي من هذا العشق الممنوع للكلمات، فانصرفوا عني غيرة او رهبة، او ربما بغضا للغتي والنثر وشعري والابيات..

ابن سوس انا وافتخر، وتمنيت الفا ان اكون كذلك لو لم اكن، لكني كائن ذاك وتلك الارض روتني، اغصان اشجار سوس تظللني حتى في غربتي، الحان سوس تطربني حتي في مهجري، وسمات سوس تعلوني الى اخمص قدمي، وعن سوس كتبت مرات للوطن، فقالوا عني عنصري عرقي المذهب، وكتبت بعدها مغربي من مهد للحد، وعربي الانتماء واللغة توأم الانتماء، نسوا اني بلغة الضاد اكتب عشقي لسوس، فما حبي للغاية اكثر من وسيلتي..

سكنت مدنا مغربية والمغرب موحد، وفي كل مدينة اقلام تغتال واوراق تغتصب، باحثا عن علم ومعرفة وانشد، جربت حليما كلثوما والاطرش، ثم دكاليا وبن خياط والحيان، ومن بلدتي بلعيدا امنتاك والدمسير، واعتنقت اسلامي، طوابير جماعتهم لم تغريني وان في المدرج، واصوات الغلاة لم تطرب طموحي، فاديت ركوعي ايمانا وتوكلا، واسلمت امري للرب الاوحد..

فأرجوكم لا تلوموا عشقي لها، ورغبتي بها، فقط اوقفوا نظرتكم لي عن كثب، فسيرحل قلمي الى ليله المعتم ولن ارى من مجتمعكم الا الجبال الشامخات والاشجار الظليلة، ولن اشعر او انثر لكم ولا عنكم، دعوني في سلام فلي امنيات ودعوات، ولي مظالم للسماء سترفع، سأكتب بعيدا عنكم، بعيدا جدا، حتى لا تكتبوا عني مجددا فلست عاقا، وان كنتم تبحثون عن انتمائي فانا لا انتمي الا للوطن، للوطن وكفى..

بقلم : ابراهيم حميجو

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

إغلاق