التحديد الغابوي … القنبلة المؤجلة بأقاليم سوس ماسة درعة (1)

التحديد الغابوي

لم يكن في علم أحد أن عمليات التحديد الغابوي، التي أطلقتها الإدارات الإقليمية للمياه والغابات بمختلف أقاليم جهة سوس ماسة درعة، بأوامر مباشرة من المندوبية السامية بالرباط، ستثير كل هذا الغضب في صفوف أبناء المنطقة الذين ضحوا بالغالي والنفيس في سبيل الحفاظ على أراضيهم الموروثة عن آبائهم وأجدادهم، ولم يكن أحد يدري أن ممتلكاته العينية ستكون يوما ما في مهب الريح بقدوم رجال الغابات المسنودين بمساطر قانونية عفا عنها الزمان، وأصبحت محط انتقاد شديد لدى عدد كبير من المتدخلين والمتضررين على حد سواء.

قوانين الزمن القديم

معلوم أن الترسانة المعمول بها في مجال التحديد الغابوي لا تزال تعتمد على قوانين تعود إلى الحقبة الاستعمارية التي لم تعد ملائمة لتطورات العصر ومتطلبات الساكنة على المستويات الاقتصادية والسوسيوثقافية، ومعلوم أن عملية التحديد تبدأ بتعيين الغابة المراد تحديدها بعد التعرف على حدودها لوضع علامات التحديد المؤقت من طرف الأعوان الغابويين، حيث يتم تحرير طلب التحديد وتضمينه معلومات عن الغابة، وحقوق الانتفاع المخولة للدواوير والقبائل المعنية، يضاف إليه موجز للمخطط التعريفي بالغابة، كما يتم إشهار زمان ومكان التحديد في أجل 30 يوما على الأقل بعد إصدار مرسوم في هذا الشأن، وبناء على ذلك يتم التحديد النهائي على أساس تسجيل الغابة ضمن أملاك الدولة بعد المصادقة النهائية على محضر التحديد وانتفاء أسباب التعرض القانونية في مدة زمنية لا تتجاوز ستة أشهر من تاريخ إيداع محضر التحديد.

الأرض … خط أحمر

وارتباطا بالحراك المدني والسياسي بأقاليم الجهة ضد التحديد الغابوي، اعتبر فاعلون محليون بإقليم تيزنيت وجهة سوس ماسة درعة، قضية الأرض، “خطا  أحمر” لا يستوعب التسويفات والمزايدات  المبنية  على أجندات خاصة، مؤكدين على  أن الحل في عمليات التحديد الغابوي التي تصر الإدارة على تنفيذها رغم الاعتراضات المتكررة للساكنة، يمكن تحقيقه وفق منطق تشاركي بين مختلف الأطراف المتدخلة، ومنددين بفرض سياسية  الأمر  الواقع، التي قالوا إنها “تقفز على المعطيات  التاريخية  والجغرافية”، ومعتبرين الأمر “خطيرا جدا”  قد تكون له عواقب  على البنيات  القبلية  المتجدرة  منذ قرون خلت .

وفي اللقاء الدراسي المنظم من قبل جمعية “sos آكلو”  بفضاء ثانوية سيدي وكاك  بجماعة أكلو، شدد المشاركون على مطلب الأمن العقاري والعدالة  العقارية، واعتبروه مدخلا راهنيا ومساعدا على تحقيق  تنمية  مستدامة، كما أوضح المشاركون بأنهم سيستمرون في معاركهم النضالية ضد أي تطاول على أراضي الخواص، وبأنهم يرفضون استهداف الأرض والمناطق ذات البعد الاستراتيجي والسياحي  والاقتصادي، كما عبروا عن رغبتهم في تفعيل مطالب التحفيظ الجماعي أو التحفيظ المشترك، ومواصلة جميع المحطات النضالية والحقوقية والوقفات واللقاءات  الرسمية، كما ألحوا على ضرورة إبراز وثائق  السجل المركزي وتفعيله من أجل الإنصاف العقاري، داعين رئيس الحكومة إلى إحداث مرسوم بإيقاف جميع مراسيم التحديد الغابوي السابقة، والتنسيقيات والجمعيات  الحقوقية لعقد دورات تكوينية  لإغناء الرصيد  القانوني  والمعرفي في مجال  الترافع، كما دعوا المحافظين على الأملاك العقارية  إلى فتح المجال  لتقديم التعرضات على مطالب التحفيظ المقدمة من طرف المياه والغابات.

وفي سياق متصل، أعلن المشاركون في اللقاء الدراسي المنظم في وقت سابق بمدينة تيزنيت من قبل شبكة جمعيات محمية أركان للمحيط الحيوي بجهة سوس ماسة درعة، بمعية المتضررين من عمليات التحديد الغابوي بإقليمي تيزنيت وسيدي إفني، عن إطلاق عملية كبرى لجمع 10 آلاف توقيع للمطالبة بتحيين القوانين المنظمة لعملية تحديد الملك الغابوي بمجال أركان ووضع حد للأضرار الناجمة عن الرعي الجائر وتنامي ظواهر البناء العشوائي والمنظم (تفويت المجال الغابوي للخواص) في مجال المحيط الحيوي لأركان.

وفي ذات اللقاء طالب المتضررون بإعادة النظر في المساطر القانونية وآليات تحديد الملك الغابوي، بالشكل الذي يضمن حقوق السكان المحليين في الاستفادة المباشرة والعادلة من الثروات الطبيعية ومراجعة وضعية المجالات التي تم تحديدها سابقا من أجل إنصاف ذوي الحقوق المتضررين، فضلا عن العمل على جبر الضرر الجماعي والفردي والتحديد “الأحادي والتعسفي” – حسب قولهم – للملك الغابوي، وشدد المتضررون على ضرورة اعتماد مقاربة تشاركية حقيقية وفعالة مع السكان كمنهج أساسي لتأطير عمليات تدبير المجال، وذلك عبر الوقف الفوري لكل عمليات تحديد وإعادة تحديد الملك الغابوي بمجال الأركان  إلى حين مراجعة المساطر القانونية  وإنصاف ذوي الحقوق، كما دعوا إلى التعبئة الشاملة للجماعات المحلية بغية إرساء قواعد التنمية المستدامة على أساس المحافظة على الموارد الطبيعية وحماية وتثمين مجال الأركان بمكوناته الثقافية واللغوية والطبيعية، كما دعوا النواب البرلمانيين إلى تبني القضايا الحيوية والإشكالات الكبرى بمجال الأركان ضمن ملفات الترافع النيابي في أفق اقتراح قوانين بديلة تصون حقوق السكان المحليين وتحافظ على التوازن الإيكولوجي بالمنطقة، ووجهوا دعوة أخرى لكل الخبراء القانونيين والفاعلين المؤسساتيين والجمعويين والباحثين إلى الانخراط في اللجنة الموضوعاتية المشتركة التي ستعمل على إعداد ملفات الترافع وصياغة مشاريع قوانين متعلقة بحماية وتنظيم المجال.

يتبع

بقلم محمد الشيخ بلا عن جريدة المساء

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

إغلاق