خطير : أسرة تتهم جنديا متقاعدا باختطاف ابنها واغتصابه وحرقه قبل أن يلقى حتفه

خطير

” رشيد راه مات هداك الدري”، كانت هذه العبارة آخر ما توصلنا به في جريدة «الأحداث المغربية».. مكالمة تلت اللقاء الذي قام به أفراد من أسرة الضحية إلى مقر الجريدة لرفع تظلم إلى الجهات المسؤولة، لعل نداءهم يصل لكي يفتح تحقيق يضع النقط على الحروف، فيجد الضحية الإنصاف، بعد أن غدا المتهم المفترض الذي كانت أصابع الاتهام تتوجه إليه «حرا طليقا». في الوقت الذي لم يفارق فيه الضحية المستشفى منذ أول يوم دخله فيه، إلى أن غادر دنيا الأحياء أمس بقسم الحروق بمستشفى ابن رشد

كان الأخ يحمل غصة في الحلق لا يستطيع معها الاستمرار في الحديث.. يغالب دموعه ليسرد تفاصيل ما وقع لأخيه من اعتداء خطير تسبب له في ملازمة سرير المستشفى بعد أن سقط أغلب لحم فخذيه.. كان إحساس بالفقد ينتاب الأخ بعد أن عمه حزن طغى على نبرات صوته، وكأن نداء داخليا كان يخبره أن نعي أخيه سيصله بعد لحظات.
غادر الأخ الجريدة بعد دقائق معدودة من صباح يوم أمس الخميس، فتلقى الخبر: «مات محمد الشطاح» بعد معاناة طويلة مع الحروق، قضاها بين مستشفى محمد الخامس بمكناس حيث تعرض للحرق.. وبين قسم الحروق بمستشفى ابن رشد حيث قضى الفترة الأخيرة، قبل أن يسلم الروح إلى باريها.. مات دون أن ينال من تسبب له في هذه المعاناة جزاءه.
تفاصيل القضية
كان يحمل من الأسماء «محمد» أما اللقب الذي ورثه عن الأسرة فهو «الشطاح». قادته الظروف إلى مدينة مكناس، حيث اشتغل بائعا متجولا يعرض سلعه على قارعات الطريق، وأمام أبواب المساجد.. كان يعيش حياة الرضى بالقليل، ولايطمع فيما لا تصله إليه يداه. ومن أمام المسجد كان اللقاء الذي قلب حياته رأسا على عقب.
ازداد محمد بتاريخ 25 فبراير 1995 بمنطقة سيدي اسماعيل باقليم الجديدة.. لكن البحث عن لقمة العيش قاده إلى مدينة مكناس حيث زاول تجارة بسيطة.. وبمكناس تعرض للاعتداء الذي كان سببا في إزهاق روحه بعد أزيد من سنة من المعاناة والألم.
في ظهيرة أحد الأيام من شهر يونيو عام 2012 كان «محمد الشطاح» يعرض سلعه على “فراشة” أمام أحد المساجد بمنطقة «حمرية» بمكناس. كان قد فرغ للتو من أداء صلاة الظهر التي أداها بهذا المسجد ليخرج مسرعا، لاستقبال زبائنه من المصلين الذين يعرض عليهم سلعا متنوعة. في أحد أيام شهر يونيو 2012، ـ حسب ما رواه أخ الضحية للجريدة ـ كان أحد المصلين قد خرج للتو بدوره من المسجد بعد أن أدى صلاة الظهر. وقف أمام السلع التي يعرضها «محمد»، فاقتنى منها آلة حلاقة كهربائية “طاندوز”، بعد اتفاق على الثمن، ثم دخل معه في نقاش.. سأله عن الأرباح التي يجنيها من تجارته، فكان الجواب الذي لا يفتأ يردده: “كل نهار ورزقو.. ونحمد الله ونشكره”.
لكن الزبون كان قد اقترح على «محمد» البديل، الذي قال له إنه يمكن أن يجده له. اقترح عليه إمكانية تشغيله في شركة معروفة، لم يعترض «محمد» ولا أبدى رفضا، بل رحب بالفكرة، وشكر لزبونه مبادرته. وبعد هذا اللقاء العابر الذي جمعهما أمام أحد مساجد «حمرية» تبادلا أرقام الهواتف على أمل لقاء قريب، يفي فيه الزبون بوعده، ويجد له العمل الموعود في الشركة.
مرت بعض الأيام القليلة، فأعاد الزبون الاتصال بـ «محمد» ليسأله لماذا لم يأت في الموعد الذي سبق أن حدداه في أحد المقاهي. لكن البائع أخبره أن مشاغل تجارته هي التي منعته من اللقاء به.
سأل الزبون ـ الذي قال أخ الضحية إنه كان يعمل «جنديا» قبل أن يحال على التقاعد ـ الضحية عن المكان الذي سيعمل به في اليوم الموالي، فأخبره به. وعند الظهيرة قدم على متن سيارته الخاصة، منتظرا انقضاء صلاة الظهر ليحمل «محمد» معه. عملية قال أخ الضحية إنها كانت عبارة «اختطاف إلى وجهة مجهولة»، لم يكن الضحية يعرفها بعد أن وضع الزبون الذي وعده بفرصة عمل تنتشله من حياة التجول.. لكن حين تمكن منه وضع “ضمادة” على عينيه لكي لا يبصر ما يدور حوله، ولايدري بمعالم المكان الذي تم تنقيله إليه.
صرح الأخ أن أخاه الضحية الذي كان قاصرا عند تعرضه للاختطاف والاغتصاب، لا يتجاوز سنه السابعة عشرة، فَقَدْ فَقَدَ وعيه بمجرد ركوبه في سيارة الجندي المتهم.. فلم يعد يدري ما يدور حوله، لم يستعد وعيه إلا والمتهم يساومه بقبول ممارسة الجنس عليه مقابل مبلغ مالي وهاتف نقال، أو تعريضه للتهديد والتعذيب.
كان «محمد» معصب العينين، مقيد اليدين والرجلين.. وبمجرد محاولته المقاومة ـ حسب ما صرح به أخوه ـ كان عرضة لضربتين بسكين على مستوى الفخذين. ومع استمرار رفضه ومقاومته أعاد العصابة إلى عينيه، لكي لا يعرف المكان الذي يوجد فيه، بعد أن ظلت الحقيبة التي كان يضع فيها سلعته معلقة على ظهره.
يحكي الأخ «مصطفى الشطاح» أن أخاه روى له أنه كان يحس بسائل يصب على رجليه طيلة رحلة العودة، التي امتطى فيها السيارة من جديد، بعد أن خفف المتهم من القيد البلاستيكي الذي كان يلف رجليه، ليتمكن من الترجل والتحرك صوب السيارة. وعند الوصول إلى مكان خال خلف الأكشاك الموجودة قرب المحطة الطرقية بمكناس حيث تقع المزبلة، رمى الضحية بعد أن أشعل فيه النيران..!!
سرت النيران ملتهبة تلتهم المنطقة السفلى من جسد الحصية، وهو يصرخ ويصيح ويحاول المقاومة بعد أن انفك القيد البلاستيكي من رجليه. وعندما أبصره أحد الحراس الليليين توجه إليه رفقة شخص آخر، هو صاحب مقهى، ليعمدا إلى إخماد النيران، ويطلبا سيارة الإسعاف ويخبرا الشرطة لتبدأ رحلة جديدة من معاناة الضحية، لم تنته، رغم وفاته صباح أمس الخميس 29 غشت الجاري.
تحقيقات الأمن تصل إلى المتهم
بعد نقل الضحية إلى المستشفى، ربطت عناصر الأمن الاتصال بالأخ تخبره أن أخاه «محمد» وجد مرميا يصارع حروقه. سارع إلى تلبية النداء ولم يتأخر وعندما وصل إلى المستشفى وقف على حالة أخيه المزرية، حيث كان يصارع آلامه بعد أن فقد الوعي من شدة النيران التي التهمت أطرافه السفلى.. من هنا انطلقت التحريات الأمنية.
لم يكن الضحية يقوى على الكلام، خلال الأيام الأولى للحادث الذي وقع بتاريخ 06 أكتوبر 2012. وبعد أيام معدودة كان كلما اقترب منه أخوه ليسأله يردد كلمة واحدة: “التلفون.. التلفون”. أدرك الأخ أن الضحية يشير إلى أن رقم المعتدي يوجد بالهاتف. وعندما تسلم الهاتف ضمن أغراض أخرى لأخيه، أطلع رجال الشرطة على الرقم الهاتفي للمتهم المفترض. وبعد إخضاعه للمراقبة والتتبع، تبين أن الرقم الهاتفي يخص شخصا عمل جنديا، قبل أن يحال على التقاعد.
انطلقت التحريات، والتحقيقات وبإطلاع الأخ ورجال الأمن على حكاية الزبون الذي وعد الضحية بفرصة عمل في الشركة، وتأكيد أحد الشهود من الباعة الجائلين لهذه الواقعة بدأت الدائرة تحيط بالجندي الذي تم الحصول على صورة مصغرة له. كانت الصورة بدون نظارات، ليتم عرضه رفقة أشخاص آخرين على الشاهد فتمكن من التعرف عليه. وفي مرحلة لاحقة تم عرض الصورة على الضحية فأكد أن صاحبها هو المعتدي الذي قام باختطافه واغتصابه قبل تعريضه للحرق، لكنه أثناء اللقاء به وتنفيذ اعتدائه كان يضع نظارة طبية.
وبعد إذن الطبيب المعالج تم عرض المتهم على الضحية رفقة أشخاص آخرين في مثل سنه، فتمكن من تحديد هويته والتعرف عليه، ليشير إلى أن الجندي المتقاعد هو من تسبب له فيما يعاني.
كان الاقتناع قد ترسخ لدى الضابطة القضائية بأمن مكناس أن الجندي المتقاعد هو المتهم المفترض الذي نفذ اختطاف واغتصاب وحرق الضحية «محمد الشطاح»، ومع انتهاء التحقيق الأمني، تمت إحالته على الوكيل العام باستئنافية مكناس، حيث قررت النيابة العامة اعتقاله، وإحالته على السجن. لكن المفاجأة أتت ـ حسب أخ الضحية ـ بإحالة القضية على قاضي التحقيق الذي قرر تمتيع المتهم بالسراح!!!
قاضي التحقيق يقرر عدم المتابعة
أحالت النيابة العامة ملف الضحية «محمد الشطاح» على قاضي التحقيق، الذي باشر تحرياته مع المتهم المعتقل. وبعد أشهر قرر تمتيعه بالسراح المؤقت..!! كان قرار السراح قد تم والضحية مازال جثة هامدة أتت الحروق على لحم رجليه وفخذيه. وبعد ثمانية أشهر من المعاناة في قسم الحروق بمستشفى محمد الخامس بمكناس، تضاعفت حالته وازدادت سوءا، لتقرر إدارة المستشفى إحالته على قسم الحروق بالمستشفى الجامعي ابن رشد حيث قضى به ثلاثة أشهر…
3 أشهر من المعاناة والعذاب دخل بعدها الضحية في غيبوبة ليتم إلحاقه بقسم العناية المركزة. وفي اليوم الذي قررت فيه أسرته التوجه إلى الإعلام لعرض معاناة ضحية ظل المتهم في الاعتداء عليه حرا طليقا، لفظ الضحية «محمد الشطاح» حتفه، بعد أن كان أخوه يهم بمغادرة مقر الجريدة.
وحسب أخ الضحية فإن تواريخ الجلسات ومواعيدها كان يتلقاها بالتسويف وباختلاف في التواريخ ودون تحديد دقيق. كان يحس نفسه غريبا داخل المحكمة، وغير مرغوب فيه، وكأن «مذنب وليس صاحب حق»، بعد أن كان يتم منعه من الدخول إلى المحكمة حينا، ومنعه من زيارة أخيه في المستشفى أحيانا أخرى. يقول الأخ «مصطفى الشطاح» إن إحالة ملف أخيه على قاضي التحقيق كانت سببا في إقبار الملف، وضياع حق أخيه الضحية «محمد الشطاح» الذي قضى متأثرا بحروقه بعد أزيد من سنة من المعاناة. لم يغادر، منذ تعرضه للاختطاف والاعتداء والاغتصاب ثم الحرق، أَسِرَّةَ المستشفى.. حتى صار شبيها بالهيكل العظمي بعد أن برح لحم فخذيه العظام، وهزل سائر جسده.
كان قاضي التحقيق ـ حسب الأخ ـ يمنعه من متابعة أطوار القضية. وبعد أشهر من تداول الملف، قام قاضي التحقيق بزيارة وحيدة للضحية لاستفساره. زيارة صرح الأخ للجريدة أنها لم تخل من «تهديد». وبعد هذه الزيارة تقرر عدم متابعة الجندي المتقاعد المتهم. وهو الأمر الذي وجد فيه الأخ نوعا من «الحيف» انطلق بتمتيع المتهم بالسراح المؤقت وانتهى بقرار «عدم المتابعة». لكن الضحية ظل يصارع الموت جراء الحروق إلى أن لفظ أنفاسه…
فمن هو الجاني الذي تسبب للشاب «محمد الشطاح» في هذه المعاناة التي أودت بحياته؟.. وهل يعقل أن يظل الجاني حرا طليقا بعد وفاة الضحية جراء معاناة دامت أزيد من سنة، انطلقت بتاريخ 06 أكتوبر 2012، ولم تنته يوم أمس الخميس 29 غشت 2013 بعد أن لفظ الضحية أنفاسه، لأن أسرة الضحية ترفض تسلم جثته ودفنه قبل أن ينال الجاني قصاصه…
رشيد قبول . الأحداث المغربية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

إغلاق