الفاعل السياسي بالمغرب … و أنصاف القضايا !!

عبد العزيز السلامي

من بين المؤشرات التي أساءت كثيــرا إلى المشهــد السياسي المغربي ، هيمنــة الخطاب الرسمي للدولة و ضعف كبيــر للفاعل المدني والسياسي غير الرسمي ، لما له من أدوار و مهام في مربع إدارة الشأن العام .

 و إذا كان هكذا وضــع نتيجــة لنصف قرن من تهميش و تغييب الإرادة الشعبية و تمييع الحياة الحزبية في عمليــة أخرجت فيها الأشباح من القماقــم ، و تم دعمها ، من فوق وتحت الطاولة ، لتؤسس جمعيات و أحزاب تتماهي كليـــة مع الخطاب الرسمي ، و ليتشابه خطابها و تدنس ممارساتها ، في إطار مخــطط ضرب الحركة التقدمية والديمقراطيـــة و تمييع الحياة السياسية ببلادنــــا ، دونما نسيــان عامل أساسي و هو قمع هــذه القوى الديمقراطية والتقدمية و فرض حصار إعلامي و مادي على مبادراتها ، و سجن مناضليها وملاحقتهـــم.

هــذا الوضــع المأساوي أفرز لنا نخبــة طيــعة خنوعة منافقــة ، تحمل كافة صفات أمراض البورجوازية الصغيرة ، سهلة التسلق ، صعبة الإندحار ، تستعجل التغيير وإن كلفها ذلك المقامرة و المجازفــة ، بصلب قضايا أوســع الجماهير.

و انساقت هــذه النخبــة أمام “الموجــة” وتسلطت علينا بإفتعال بين الحين والأخــر ، أنصاف قضايا و جذب انتباه الشعب إلى قضايا ومشاكل هامشية وفرعية، وبذلك يلتفت الفاعل السياسي عن أمهات المسائل وعن التغيير الحقيقي المنشود.لقد انشغل الجميع بقبلة الفايسبوك لمراهقيــن بالناظــور ، وهو أمرٌ عارض ابتكره البعض، فأصبحنا أمام وضع مصنوع ومفتعل ولم نكن أمام ضرورة ملحة ، و أمثلة كثيرة و إلا ما معنى أن ينشغل مناضل حزبي وحقوقي ونقابي ب “وكالين رمضان” و “المثليين …” و إعتماد “الدارجة أم العربية” في حيــن أن أزمـــة التعليــم الطبقي بالمغرب أزمة بنيوية أكبر من أن يتم إختزالها في هوامش فروعها.

اقحمتنا الحكومة أيضًا في قضايا عديدة مثل قضية التحرش الجنسي، وهي أيضًا قضية مصنوعة، وضاعت الجهود وانشغلت الأقلام، والقضية بسيطة بالمقارنة مع قانون الإضراب مثـــلا و النقاش الذي يجب يصاحب ميــلاده ، و قانون المسطرة الجنائيــة التي تعتبر أكبر عرقلة لحفظ ماء الوجه الحقوقي للمغرب في المحافل الأممية لحقوق الإنسان؟ كما أن الضجة التي أثيرت حول السؤال الشفوي للرايسة تبعمرانت في البرلمان بالأمازيغية في حين أن القضية ثانوية ولا تمس جوهر مشاكلنا الحقيقية.

عموما على الفاعل السياسي المغربي المناضل في الصف الديمقراطي والتقدمي ومثقفيه ومفكريه أن ينشغلوا بالقضية الأساسية وهي المتعلقة بالديمقراطيـــة الشاملة لأنها البديل الحتمي للأزمــة ، و ما يتفرع عنها من قضايا إصــلاح القضاء و إسترجاع الأموال المنهوبة وحماية المال العام و إقرار حقوق الإنســان بمفهومها الكوني والشامل و إقرار ملكية برلمانية ديمقراطيــة و النضال من أجل الولوج إلى الخدمات العمومية من السكن اللائق و جودة التعليــم و مجانيته و ضمان الحق في الشغل الضامن للعيش الكريــم ، و النضال من أجل تحرير كافة الأراضي المغربية و صيانة الوحدة الترابية و عدالة قضيــة مغربية الصحراء …هــذه هي القضايا الحقيقية للشعب المغربي التي يجب أن ينشغل بها المناضلين و ليس الخاضعين الخانعين قصار القامة ، وهو الشيء الذي لن يتأتي إلا حينما تدار الأمور بواسطة الشرفاء النابهين القادرين الأكفاء الذين يحلون محل العجزة و زعماء قضايا “كوكوت مينوت”.

ألم يقول ماوتسي تونــغ يوما أنه “ينبغي  ان  نزيل  من  صفوفنا  كل  تفكير  قوامه  الضعف  والعجز  و أن  كل  رأي  يبالغ  في  قوة  الفكر السائد  ويستصغر  قوة   الشعب هو رأي  خاطىء”.

عبد العزيز الســـلامي *

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

إغلاق