همسات تيزنيتية من أمريكا (4)

الكابوس

الصدق والمصداقية

في بداية همسة هذا الأسبوع أود أن أتوقف عند احد تعليقات القراء المحترمين  الذي طلب تحري الصدق عند مقارنة المغرب و الولايات المتحدة  و هنا أود أن اقو لان الهدف من هذه الهمسات ليس المقارنة من أجل المقارنة  بقدر ما هو نقل تجربتي الشخصية  و محاولة مشاركتها مع القراء الكرام، بل أكثر من ذلك محاولة  إبراز بعض أوجه الثقافة الأمريكية التي لا يعرفها  إلا من عايشها بشكل يومي وليس  عن طريق التلفاز و الانترنيت و الكتب . فأمريكا التي نشاهدها في التلفزيون ليست أمريكا في الواقع فهناك  فقر وتهميش و بؤس  إلى جانب فئة قليلة تستحوذ على ثروات البلاد. الصدق هو أن لا نحاول اعتبار ثقافتنا أفضل من ثقافة الأخر  و كما هو معلوم فليست  هناك ثقافة أفضل من ثقافة أخرى  لأن الأمر هنا يتعلق بنمط عيش مجموعة أو مجموعات بشرية في مكان و زمان معينين. أما المصداقية  فهي أنني  أنقل تجربتي  باللغة العربية حتى يستفيد أكبر عدد من القراء  علما أنه كان بالإمكان كتابة هذه الهمسات باللغة الانجليزية التي أتقنها و سيكون الأمر سهلا بالنسبة لي لكن قراءتها أنداك ستنحصر على الذين يستطيعون قراءة و فهم اللغة الانجليزية .الصدق و المصداقية أشياء نسبية  و للكاتب أن يروي  الأحداث  وفق منظوره وللقراء أن يفهموا ويحللوا كما يريدون .

عيد الشكر Thanksgiving  : احتفال أمريكيخالص

تتعد الروايات فيما يخص أصل هذا الاحتفال ; إلا أن المؤكد أن الاحتفال بهذا العيد  بدأ سنة 1621 حيث يحتفل به في أمريكا يوم الخميس الرابع  من شهر نونبر وفي كندا يوم الاثنين الثاني من شهر أكتوبر . ومن  الروايات التي حكت لنا سيدة  أمريكية  احتفلنا مع عائلتها  هذه السنة بعيد الشكر أن المزارعين الأمريكيين دأبوا على الاحتفال في فصل الخريف بعد انتهاء موسم الحصاد  ويشكروا الرب على ما منحهم من حصاد وفير . ولما وصل المهاجرون الانجليز إلى ما يسمى حليا ولاية ماساتشوستس.  و بسبب قلة خبرتهم بالزراعة و الطقس البارد هناك  توفي العديد منهم  إلا أن تدخل هنود قبيلة مسيطرة على المدينة  و تقربهم من الانجليز  أنقدهم من الخسائر  و علمهم الزراعة و الصيد. و للاحتفال  بأول موسم حصاد أقام الانجليز احتفالا دعوا الهنود إليه للشكر  ومنذ ذلك التاريخ بدأ الاحتفال بعيد الشكر في أمريكا .و قد أقر الكونغرس الأمريكي هذا العيد عطلة وطنية سنة 1941  حيت تجتمع العائلات الأمريكية حول الطعام الذي يكون دائما الديك الرومي رمز الاحتفال بهذا العيد .

    هذه السنة تزامن الاحتفال بهذا العيد و تواجدي بالديار الأمريكية و كعادتهم يفضل الأمريكيون دعوة الأصدقاء للاحتفال معهم بهذا العيد الذي تطغى عليه صبغة  الأكل  دون أية حمولات دينية.  دعيت من طرف أحدى صديقات قسم علم الاجتماع رفقة  صديقي البرازيلي و صديقتنا الكينية . وصل يوم الخميس فانتظرنا قدوم صديقتنا لتقلنا إلى بيت عائلتها الذي يبعد عن مقر إقامتنا حوالي خمسة و أربعين دقيقة بالسيارة . وصلت حوالي الثانية زوالا  رفقة ابنتها  فاستقلنا السيارة و توجهنا  خارج المدينة بحكم أن منزل عائلتها يتواجد خارج مدينة باتون روج. في الطريق تبادلنا الحديث عن هذا العيد و أخبرتنا  أن جميع إخوانها و أخواتها و أولادهم سيكونون بالبيت إضافة إلى أمها و بعض الأصدقاء  فتذكرت حينها  الأعياد الدينية في المغرب و الدول الإسلامية . كانت الطريق شبه خالية إلا من بعض السيارات المسرعة  و سيارات الشرطة . على طول الطريق  تتواجد ضيعات فلاحية عصرية مجهزة بأحدث التجهيزات .

وصلنا إلى المنزل فوجدنا الجميع في انتظارنا  فرحبوا بنا أحسن ترحيب وتبادلنا أطراف  الحديث عن مقامنا بلويزيانا و عن بلداننا  في ما كان البعض منهمكا في  إعداد المائدة . ولعل ما أثلج صدري و جعلني أتأكد فعلا أن هذه الأرض أرض الاختلاف و التعايش هو أن صديقتي كانت سألتنا من قبل عن عاداتنا الغذائية  فأخبرتها أن الدين الإسلامي  يحرم علي أن تناول  لخنزير و الخمر  فقامت بإعداد أطعمة  خالية من لحم الخنزير و لخمر خصيصا لي .  قبل تناول الطعام قام أفراد الأسرة  بالوقوف جميعا ممسكين أيادي بعضهم البعض فيما قرأ زوج صديقتنا كلمات شكر فيها الحضور و جميع أفراد الأسرة و المدعوين  على القدوم و مشاركتهم الاحتفال ، بعد ذلك بدأنا في تناول  الأطباق المعدة  و على رأسها  الديك الرومي الطبق الرئيسي للاحتفال .

بعد هذه الوجبة الدسمة انصرف البعض للاسترخاء فيما خرج البعض للتسوق أما نحن فبقينا نتحدث مع العائلة حول ثقافة بلداننا و عاداتها ، وما لاحظته من خلال المحادثة هو أن الأمريكيين مستعدون دائما للسفر و الاستكشاف . كان اليوم يوم الخميس و يتزامن أيضا مع تخفيضات خيالية في أثمنة منتوجات التجهيز المنزلي،الملابس و الأجهزة الالكترونية  فيما يسمى عندهم هنا يوم” الجمعة الأسود” و الذي تتنافس فيه المحلات الكبرى في تقديم أثمنة رخيصة لكن لمدة محدودة و كميات محدودة من السلع .  و بما أن هذه العروض تنطلق غالبا مساء يوم الخميس فقد اقترحت علينا صديقتنا  أخدنا لاستكشاف هذا الحدث الغريب فما كان منا أن قبلنا بكل فرح وسرور شاكرين لها حسن الضيافة وسعة الصدر .

يوم الجمعة الأسود : تسوق من نوع أخر

         توجهنا إلى إحدى المجمعات التجارية المشهورة بالولايات المتحدة الأمريكية فوجدنا أفواجا من الناس في صفوف طويلة ينتظرون الساعة المحددة لبداية العروض المغرية. دخلنا إلى المجمع بحكم أننا  لم نكن نتوخى الحصول على أي عرض، وجدنا صفوفا أخرى داخل المجمع فهناك من ينتظر الحصول على ملابس و هناك من ينتظر اقتناص الفرصة للحصول على حاسوب أو هاتف ذكي بنصف الثمن أحيانا . تمنيت حينها لو كان لدينا يوم مثل هذا حتى يتسنى للفئات الفقيرة الحصول على تجهيزات بأثمنة رخيصة . لاحظت كذلك التواجد الهائل و الغير المعتاد لرجال الشرطة داخل المجمع و الإجراءات الأمنية المشددة . تجولنا في جنبات المجمع فترى الناس يتهافتون لاقتناء ما يحتاجون و ما لايحتاجون .   دقت ساعة  البدء في العروض  فإذا  بالجميع يتهافتون للحصول على نصيبهم من هذه العروض المغرية. والغريب أن بعض المحلات و المجمعات التجارية لا تفتح أبوابها إلا في ساعات متأخرة من الليل مما يضطر الزبناء الى قضاء الليل أمام هذه المحلات  في انتظار  بدء العروض و قد تعرف مثل هذه المناسبات أحداثا غير عادية مثل التدافع و العراك و في نادر الأحيان  قتلى و جرحى .     و أثناء جولتنا بالمجمع تمكنت  أخت صديقتنا من اقتناء جهاز تلفاز من الحجم الكبير مقابل أقل من مائة دولار .  بعد جولة مضنية و مليئة بالمواقف المضحكة قررنا العودة إلى منزل صديقتنا لإلقاء تحية الوداع على أفراد العائلة قبل العودة إلى مقر إقامتنا .  وصلنا إلى مقر الإقامة بالإقامة الجامعية  التي وجدناها فارغة بحكم أن جل الطلبة سافروا لقضاء  العيد مع عائلاتهم  حوالي منتصف الليل ،ودعنا صديقتنا و ابنتها و دهب كل واحد منا لنخلد للنوم بعد هذا اليوم الاستثنائي و الطويل .

  كانت هذه الهمسة الرابعة …………………………………..انتظروني في الهمسة الخامسة  الأسبوع القادم

  

                                                                                          بقلم :  ابراهيم الكبوس 

[email protected]

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

إغلاق