الكابوس في همسات تيزنيتية من أمريكا : يأكلون ولا يشبعون (3)

lkabous brahim
مراسلة أسبوعية من أمريكا  يعدها الأستاذ إبراهيم الكبوس 
.

النظام أساس الحياة

جميل أن تتذكر هذه الجملة و أنت واقف في الصف في انتظار أن يأتي دورك لطلب خدمة ; لأخذ تذكرة ; لطلب الطعام أو حتى لاستعمال الحمام . كنت مندهشا من الكم العدد الهائل من الطلبة الواقفين في الصفوف بمكتب التسجيل بالجامعة  حيت كان الجميع يرغب في الحصول على بطاقة الهوية الالكترونية  للطالب التي تسمح لهم بالاستفادة من عدد هائل من الخدمات من سكن و إطعام و نقل ونسخ وووووو.للوهلة الأولى اعتقدت أن الأمر سيكون صعبا و لن أتمكن من الحصول على تلك البطاقة إلا بعد جهد جهيد و الذهاب و المجيء  إضافة إلى كل وجع الرأس الذي اعتدناه  في إداراتنا المحترمة .  غير أن ضني خاب لما رأيت السرعة و الفعالية التي تمر بها العملية ; بعد حوالي سبعة دقائق بتمامها و كمالها وصل دوري   فتوجهت صوب واحدة من الموظفات فأدليت   بمعلوماتي الشخصية  و طلبت من أن تأخذ صورة شخصي لي  بواسطة كاميرا  معدة لهذا الغرض  و ما هي إلا دقيقتين  و البطاقة معي و أصبح بإمكاني الولوج إلى أي مكان بالجامعة بل و حتى ركوب جميع الحافلات بمدينة باتون روج بالمجان .

طلبة “أغنياء” مع وقف التنفيذ

الملفت للنظر و منذ الوهلة الأولى داخل الجامعة أن تقريبا  9 من  عشرة طلبة  يمتلكون سيارة و هو ما يجعل الإقامة الجامعية تعج بإعداد و أنواع  مختلفة من السيارات  . لكن الغالبية العظمى من السيارات  إما سيارات فارهة  أو رباعية الدفع  مما جعلني أطرح تساؤلات  عدة من قبيل  هل كل هؤلاء الطلبة من الطبقة الغنية مع العلم أن ولاية لويزيانا  تعتبر من بين أفقر الولايات الأمريكية . كما أثار انتباهي  أيضا نوعية الهواتف الذكية والأدوات الالكترونية التي يتوفر عليها الطلبة  و كذا  الملابس  التي يرتدونها من ماركات علمية.  بدأت في البحت عن مصدر كل هذا  الترف المزيف و البذخ المتبخر . ومن خلال الحوارات و التفاعل سواء مع الطلبة  ,الأساتذة أو السكان  بدأت الرؤيا في الوضوح  لاكتشف أن الطلبة  يحصلون على  قروض بنكية  بسهولة  كما أن جلهم يشتغل  اثنين أو ثلاثة  أعمال  خارج أوقات الدراسة  لتسديد القروض و الفواتير . حينها  فقط أدركت أن  الحياة في أمريكا ليست سهلة كما يعتقد الجميع  حيت أن التوفر على سيارة فارهة  وهاتف أيفون و ملابس لاكوست وأحذية نايك  لا يعني بالضرورة أنك غني  و إنما  العمل المضني  و الجاد  و السعي وراء العيش  الكريم في بلد لا يؤمن إلا بالكفاءة و القدرة على الاندماج و احترام الوقت و الرغبة المستمرة في تطوير  المهارات المرتبطة بسوق الشغل.

إلا أن المحزن في الأمر أن الطلبة يتلقون قروضا  خيالية و بفوائد عالية و على سبيل المثال ففي مدينة باتون روج فالمعدل  العام للقروض هو  8 قروض  أي أن الأشخاص الحاصلين على القروض  نجد أن أغلبهم  استفاد من ستة أو سبعة قروض بفوائد عالية تصل  أحيانا إلى 20 % مما يجعل هؤلاء الطلبة يمضون بقية حياتهم  بعد التخرج في أداء هذه الفائدة  فيما يبقى  الرصيد الأصلي للقرض كما هو  مما يؤدي بالغالبية العظمى إلى الإفلاس أو في أحسن الأحوال استيلاء المؤسسات المالية المقرضة على ممتلكاتهم .

 عائلات عازبة  بالمئات

من الظواهر  المنتشرة في الجنوب الأمريكي و خاصة في صفوف الامريكين  السود  ظاهرة  الأمهات العازبات و الآباء العزاب  بحيث غالبا ما تجد  أن  طالبا و طالبة  في علاقة عاطفية  تنتهي بولادة طفل أو طفلة  خارج مؤسسة الزواج  بحكم أن الثقافة  الأمريكية  لا تعير اهتماما كبيرا لمفهوم الزواج بمفهومه  الحرفي و شخصيا  فان  جميع  أقول جميع  الطالبات اللواتي أدرسهن  و هن تقريبا خمس طالبات   أمهات لطفل أو طفلين وغير متزوجات . هذا الوضع  خلق لدي  انطباعا بأن هؤلاء الناس ربما لا يختلفون كثيرا عن مملكة الحيوانات التي يتم فيها التزاوج و الولادة بشكل غير منظم رغم أن بعض الحيوانات تكون وفية لبعضها . استفسرت عن الأمر من بعض العارفين  فتوصلت إلى أن الأمهات العازبات  يتلقين  مساعدات مادية من الحكومة الفيدرالية  إضافة إلى أن  الأب  يؤدي مصاريف  الحضانة  و الاعتناء بالطفل . غير أن المشكل لا يكمن في ولادة الطفل و الاعتناء به رغم أهميته  بل يكمن في من سيسهر على تربيته و نشأته ; حيث كما أشرت سابقا  فالكل ملزم بالعمل عملين أو ثلاثة ; هنا  تضطر الأم إلى ترك  الأطفال في دور رعاية الأطفال لساعات طويلة و مقابل مبالغ مالية باهظة  إضافة من حرمان الطفل من الحنان و العطف الأسري و هو ما يؤثر في مستقبله النفسي و نموه العاطفي  مما يولد أطفالا عنيفين و غير مسؤولين  يعيدون إنتاج نفس  المشاكل الاجتماعية   لتبقى مدينة باتون روج بولاية لويزيانا  غارقة في أفواج من المجرمين و الشباب الغير المسؤول ذكور و إناثا .

قوم يأكلون ولا يشبعون

من الظواهر الغريبة التي لاحظتها في  الجامعة ومحيطها أن الناس هنا مرتبطون بالأكل  إلى درجة لا تتصور  فتجدهم يأكلون في أي مكان و زمان . يأكلون وهم واقفون جالسون و أثناء السباقة  بل و حتى في الأقسام تجدهم يجلبون “الهامبركر و الساندويشات”  إضافة إلى كل أنواع المشروبات الغازية .  و الغريب أن حتى الأساتذة أنفسهم  يجلبون ماكولاتهم الى الفصول . و أتذكر ان أحد أساتذة علم الاجتماع الذي أدرس في أحد حصصه  دائما ما يتناول فطوره أمام سبعين طالب  قبل بدء المحاضرة ; كما أن الجامعة تعج بالكثير من الآلات الالكترونية لتوزيع المأكولات و المشروبات بالمقابل Vending Machines . و يعتبر هذا الإفراط في تناول كل هذه المأكولات غير الصحية بشكل مستمر طيلة اليوم من الأسباب المؤدية  إلى السمنة التي يعاني منها  أكثر من ثلث مرتادي الجامعة . كما أن أحجام المشروبات و الوجبات هنا  كبيرة و تتنافس  الشركات الغذائية على تقديم أحجام كبيرة بأثمان رخيصة قصد جلب أكبر عدد ممكن من  الزبناء .

  كانت هذه الهمسة الثالثة ………………………………….. انتظروني في الهمسة الرابعة  الأسبوع القادم

  

                                                                                          بقلم :  ابراهيم الكبوس 

[email protected]

 

مقالات ذات صلة

‫3 تعليقات

  1. تعتبر هذه محاولة لفهم ثقافة المجتمع الأمريكي ، وهي مع ذلك تحتاج إلى مراجعة وإبراز بعض أوجه الحياة العامة والشخصية للأمريكيين وفي المقابل يجب تحري الصدق عند عقد المقارنة بين المغرب و الولايات المتحدة الأمريكية .
    لقد عرفت الإدارة المغربية تحولا نوعيا مند الإعلان على القانون الجديد الذي يعاقب على الرشوة ، و هو ما أدى إلى يسر قضاء المصالح الإدارية في أسرع وقت ، ولقد أعجبت شخصيا بالسرعة المذهلة التي أتممت فيها عدة مصالح إدارية في كل من أكادير وتيزنيت وسيدي إفني .
    أما بالنسبة لكون المجتمع الأمريكي مجتمع استهلاكي بالدرجة الأولى هو ما جعل معظم الشباب لا يحفلون بمؤسسة الزواج ، ولذلك نجد الكثير من الأمهات العازبات واللواتي لا يعرفن الآباء الحقيقيين لأولادهن بالنظر لإنخراطهن في تعدد العلاقات مع الجنس الخشن .
    يتبع

    1. الاختلاف كبير ولا مجال للمقارنة أخي واستادي سليمان شاهي الدين. هو في البداية يكون الأمر غريباً ويبدو لك هذا الشعب عجيباً لكن مع الوقت تفهم وتتأقلم بشكلٍ يجعلك تحس بنفس الأمر عندما ترجع إلى المغرب … الناس هنا طيبون في معضمهم هناك حالات شاذة بالطبع لكن لكوننا نعيش بينهم فنحن نتغاضى عن تلك الحالات وبدلك نصبح أمريكيين أو متلهم … نعيش حيواتنا كل في عالمه الخاص يحترم لكي يحترم لا يهم إلا العمل ومصاريف الحياة اليومية … من البيت إلى العمل ومنه إلى البيت … الأخرون لا يهمونني ما دامو يحترمون خصوصياتي … أما في ما يخص التغيير في بلادنا الحبيبة … لا أدري أين رأيته … دعني أذكرك بكونك موضف دولة سابق … إضافة إلى محاولة هؤلاء الأشخاص إضهار الوجه الجميل للمهاجرين / السياح … هل تصدق كل ذلك … هل تغير القطاع الصحي /التعليمي/الأمني/ السياسي … هل تغير المجتمع وأفكاره … لا أعتقد

اترك رداً على Mohamed Gueri إلغاء الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

إغلاق