خاطرة حول ديربي الرجاء والوداد

ديربي الرجاء ولوداد

كثير من الناس يعرفون أن والدي الكريم حرص منذ صغري على أن أكون حاملا لكتاب الله تعالى، مستوفيا نصيبا كبيرا من العلوم الشرعية…كما أنه حاول أن يورثني كثيرا من خصاله الكثيرة و ما أكثرها….لكن ما لا يعلمه الكثير أن والدي الكريم زرع في قلبي حبا غريبا…..بعيدا عن الكتب و الأقلام و الدفاتر….بعيدا عن العالم و المفكر و الأستاذ…..ترك في قلبي حبا لم أتمكن من التخلص منه أبدا…وهو حب فريق الوداد البيضاوي لكرة القدم…..
علاقة والدي بكرة القدم عموما و الوداد خصوصا قديمة جدا….من زمن الاستعمار الذي كانت الوداد فيه فريق المغاربة الوحيد ، في وجه فرق فرنسية كانت تنشط الدوري المغربي….لا زال الوالد إلى اليوم يحدثني عن بطولات ذلك الزمن الغابر و نجومه و طرائفه…يوم كانت الوداد تلهب جماهيرها بملعب فيليب، ( العربي بنمبارك)….كان الوالد في حل و ترحال مع فريق الوداد…لا يفارقه حضرا و لا سفرا…
أما أنا فلم أعقل إلا وداد أواخر السبعينات…..كان والدي يصحبني إلى ملعب الأب جيكو لأتابع مراوغات عبد المجيد اسحيتة…و براعة العربي أحرضان…و تقنيات عبد الخالق و صابر و ……
كان عيب الوداد في ذلك الوقت حراسة المرمى..كان الحارس أحمد ليس بمستوى فريق كبير كالوداد…كان والدي يطلب مني التوجه خلف المدرجات ، لأتلصص على الفريق و هو يقوم بتسخينات قبل الدخول؛ و أعرف إن كان أحمد هذا من سيحرس عرين الوداد..وهذا ما لا يريده طبعا…أم ذلك الشاب الصغير القادم من سلا..والذي يتنبأ له الكثير بمستقبل مبهر…طبعا لم يكن هذا الشاب إلا بادو الزاكي..
والدي لم يكن متفرجا فقط و محبا…بل نسج علاقات مع عدد من لا عبي الوداد …لم يكن غريبا أن ألج البيت فأجد على مائدته عزيز بودربالة و ابريجة الأكبر ..وهما من نجوم الوداد و أبناء الحي الذي نشأت به…لا زلت أذكر صحبتي له إلى ملعب البشير أيام ازدهار الشباب و تألقها…إلى ملعب الفتح أيام كان الملعب يغص بجمهور الفريقين…أي نعم…حتى الفتح الذي لا يتعدى جمهوره اليوم عشرات من رجال الأمن وموظفي المركب كان له جمهور عريض…
بعد تلك الأيام….انقطعنا لفترة طويلة عن الوداد…حرص والدي على أن أهجر كرة القدم حتى أتمكن من التوفيق بين حفظي لكتاب الله و تألقي في دراستي النظامية…من حسن حظي أن الوداد لم تعرف في هذه الفترة تألقا و لم تنل إلا بطولة يتيمة في ظل تألق مبهر للفريق العسكري….
رغم كل محاولات الحصار…لا يمكن لشاب في ريعان شبابه إلا أن يطلق عنان نفسه لذلك الحب الوراثي….و يشاء الله أن تكون عودتي هذه متزامنة مع عودة لافتة و مبهرة لفريق الوداد…عشت مع الوداد كل أمجاد التسعينات…من الكؤوس و البطولات المحلية إلى الإفريقية و القارية….عشت محبا لها ولها بها …متعصبا شدي التعصب…أيام تألق عزمي…و إبداع الداودي…و دقة بنعبيشة… و تقنيات مجيد بويبود…وسرعة فخر الدين….و هوائيات موسى نداو…..
زاد من تعلقي بهذا الجيل أن ثانوية مولاي ادريس جمعتني في فصل واحد بشاب صغير السن…كبير الطموح في هذا الباب…كان الحارس الرسمي لأمل الوداد…كنت أتألم لحاله و كفاحه…وكيف كان يمشي على قدميه من حي كوبا الفقير…إلى مركب بنجلون بالوازيس…لأنه لا يجد ثمن تذكرة الحافلة التي تقله إلى هناك…فأصبحت آخذه على دراجة نارية صغيرة كانت لي كل يوم تقريبا….و أتابع التدريب و أنتظر انتهاءه لأعود به لحيه الفقير….كان يتحفني بالأخبار الخاصة، ويحجز لي مقعدا بالمدرجات المغطاة يوم الأحد…وظللنا وفيين لتلك الصداقة مدة سنتين….كنت أراعي قلة ذات يده فأهبه أحيانا حتى ملابسي….سألني ذات اليوم : هل تتصور يوما أن أكون حارسا للمنتخب؟…. ضحكت حتى بدت نواجدي…لكنه كان طموحا لتحقيق مايريد….فرقتنا الأيام…و الدراسة…وبلايا الدنيا….صرت إلى ما صار إليه…وصار ذلك الصديق القديم حارس المنتخب المغربي الذي تألق بنهائيات تونس……خالد فوهامي….
ومع تلاشي هذا الجيل …بدأت علاقتي تتلاشى مع الوداد وكرة القدم….مع دخولي السنوات الجامعية…ثم التصدي لميادين الدعوة والفكر…..
لم تعد الوداد تأخذ من وقتي طويلا….لكنني كلما سمعت عنها خبرا، أو صادفت لها نقلا…إلا و حن قلبي…و تعاطفت جوارحي…حب أزلي لا دخل لي في تسلله لقلبي….
طبعا أنا اليوم غير ذلك المتعصب المتشنج لفريقه…أعتز بعلاقتي الطيبة مع أبناء الفريقين…و علاقاتي واسعة معهما…..لكن الهوى غلاب…في غير تعصب و لا نزعات جاهلية
أشياء كثيرة سلبية تغيرت …لم نكن نعرفها في ذلك الزمن….اهتمام مبالغ فيه وسط تفريط في قضايا كبيرة و عظيمة ليس لها إلا شباب الأمة….شغب في الملاعب ليس لنا به عهد سابق….ندرة في الإبداع و مباريات رتيبة ومملة….
لكن بالمقابل…مشاهد جميلة لم تكن أيضا على أيامنا….موجة من التدين وسط اللاعبين ( جريندو – بنشريفة- اللويسي- بصير- الحيمر- الجرموني …)…..سجود شكر لله عند توقيع الهدف….تفاعل مبهر لبعض الجماهير مع قضايا الأمة ( المغرب التطواني- الرجاء – الوداد)….تنظيم محكم للجماهير عبر جمعيات المشجعين و الايلترات….
ما أريد أن أصل إليه…هو أن لكرة القدم سحر بالغ في النفوس…و تأثير على المجتمعات و الشعوب…فبعض ما يرافقها من منكرات أو تضييع للواجبات…لا يحل بتحريم كرة القدم …و لا بصد الناس عنها…ولكن بتوجيهها و التأثير فيها…باستعمال الخطاب الدعوي للحد من مظاهر الشغب… و تخفيف العصبية البغيضة…و تأطير تلك الجماهير التي لن يقدر على جمعها حزب و لا جماعة و لا تنظيم….
الدعاة إلى الله مطالبون بمعرفة حجم تأثير الكرة على الشعوب…و الدور السياسي و الاجتماعي الذي أصبحت تلعبه جمعيات الايلترات …حتى أنها في مصر كانت وقود الثورة و أحد مشعليها…
على الدعاة أن يعلموا أن حركة بسيطة يؤديها أبو تريكة تعاطفا مع قضية من قضايا الأمة…لها تأثير يفوق تأثير كثير من الخطب و المواعظ…
الداعية إلى الله مطالب بأن ينزل من برجه العاجي…و يخالط الناس و نواديهم …و يقارب محل هواياتهم و انشغالاتهم…فما دام الأصل الإباحة…فلنعالج بالتوجيه لا بالتحريم…تصبحون على خير….و فوز بإذن الله لفريق……….

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

إغلاق