في ذكرى وفاة الطائر الأزرق "محمد خير الدين"

الطاهري

الطائر الازرق» قلما تجود الأمهات بمثله، شغل الناس في حياته بطابعه الصاخب، والخارج عن رتابة المألوف. لم يكن خير الدين روئاا فقط، كما صوره أعداؤه، بل كان كاتبا عملاقا وأديبا مفلقا تكالبت عليه تفاهة التاريخ والجغرافيا والكائنات الورقية. طبيب أسنان فاشل ترك الضرس المريض واقتلع جزءا من الفك. فكانت هذه هي بداية نهاية أحد كبار الأدب المغربي الحديث. سرطان جعل من الجحيم رحمة أمام الآلام التي عانى منها قبل أن يصبح شبحا لم يعرفه حتى المقربون. لكن «الهدهد» حارب الألم بمبضع الكتابة. كتابة مقاتلة، ويوميات باهرة لرجل لا تحتمل خفتهمحمد خير الدين ذاك الامزيغي الذي وصف من اجتث من جدوره بأنه فاقد لداته لا محالة داك الامظيغي المتشبع بقيم الهوية الأمازيغية والرافض تمام الرفض أن ينسب إلى ثقافة وإلى حضارة دون حضارته الأم الدي يعتز بها ويقر بذلك من خلال كتابته الكثيرة

هو الكاتب الذي لم يهادن ولم يتصالح مع أي من أشكال الظلم والاستهتار بالإنسانية كما أنه كان المسكون بالرفض القاطع لكل ما هو راكد ساكن ومظلم مشبوه.. محمد خيرالدين كان الجديد المتجدد المفعم بالحياة حتى في أكثر اللحظات المرعبة تنمرا والتي كان فيها الموت متربصا به بوحشية لا يدرك هول مرارتها ووجعها غير من عاشره وصاحبه

محمد خير الدين ولد بـقرية أزروواضو بقلب أدرار بتافراوت ن واملن وسط العظمة الأمازيغية.أعماق مملكة نوميديا، وحيث الأدب الرائع الذي يسري على ألسنة الناس إلى أيامنا هذه.- هاجرت أسرته إلى الدار البيضاء حيث كبر محمد وترعرع. ترك الدراسة باكراً وعمل وهو في العشرين من عمره مندوباً بالضمان الاجتماعي من عام 1961 إلى 1963 في أكادير ثم في الدار البيضاء.

محمد خير الدين

كان محمد تلميذا متمردا. رضع حليب الكلمات من أرض «أدرار» و غذت أعماله الباهرة. لغته الأصلية الأمازيغية، ولغة كتاباته الفرنسية التي كان عارفا بها معرفة السحرة بسراديب الخلود في حدائق الهاديس. كان يلتهم كل حرف تقع عليه عيناه من شعر ورواية و كتب أدبية

 الطائر الأزرق كما وصفه بها جون بول سارتر وطائر بلا عش” و”L’enfant terrible” وغيرها من الأوصاف التي لا تليق إلا به بالنظر إلى تمرده على كثير من الأشياء.
لقد عاش “شاعر الجبال الأمازيغية” طريدا خلال سنوات الرصاص واضطر إلى “المنفى الإختياري” (كما يسميه عبثا) بفرنساعاش هناك حتى بداية الثمانينيات بعد 14 سنة من الاغتراب. بحثا عن مزيد من حرية الكتابة، التي فقدها في بلده فقد كان يتصور أن الإبداع الحقيقي والهادف لا يكون وصاحبه مجرد من الحرية، فهو يعتبر أن الحرية ثورة جامحة مناقضة للصمت ـ على حد تعبيره ـ لذلك نجده يشبه الحرية بشجرة أركان الراسخة والمعمرة.وطيلة المدة التي قضاها بمنفاه الباريسي الاختياري، كان وجدانه غير غائب عن وطنه الذي التصق بجلده وانفرد بحصة الأسد في قصائده الشعرية ورواياته.

قصائد محمد خير الدين كما جل كتاباته تطفح بمعاناة إنسانية وجودية تجلت في أسئلته العميقة المنهمرة ضوءا يتسرب من كوى يفتحها للقارئ وللإنسان عموما كي يمسك من خلالها بكل ما تاه عنه منه. محمد خير الدين هو ذاك الأنا الجمعي الذي تضطرم بداخله أسئلة تضيع منه في خضم اليومي البائس الذي يحياه… الأسئلة التي يظل كل منا باحثا عنها ملء هوسه كي يتأكد من أنه يحيا وهو في الآن نفسه لا يستطيع أن يمسك بها لأنها في حالة هروب مستمر مهما كان الوعي بها مستفحلا. في أحايين كثيرة نجدنا مسكونين بأشياء شاسعة نعرفها كما نعرفنا تمامالكننا لا نفهمها، نحسها مثل نبضنا لكننا لا نستطيع أن نجعلها ملء قبضتنا،يندهش المطلع على أعمال محمد خير الدين بتوظيفه للمكونات الثقافية الأمازيغية وللشخصيات التاريخية الأمازيغية التي تركت بصماتها واضحة على صفحات التاريخ، أمثال: تيهيا، كسيلة، الحاج بلعيد،  محمد بن عبد الكريم الخطابي… كذلك استعماله المكثف لمعجم أمازيغي داخل نصوص بالفرنسية من خلال كلمات أضحت تائهة في دروب النسيان، هكذا يبرز محمد خير الدين فعالية ثقافته الأم: الأمازيغية، في تكوين شخصيته كمبدع فوق العادة.

في حوار أجرته معه صحفية فرنسية سألته عما ينتظره من كتبه فكان جوابه:
«آمل أن تقرأ و تفهم». بعد أزيد من أربعين سنة عن ذاك الحوار ما يزال حلم الطائر الأزرق، كما لم يتحقق بعد،

من يريد تكريم الشهيد فاليتبع خطاه

آمل ان تحيا أفكار محمد خير الدين لتنير الدرب

في يوم 18 نونبر 1995 ، إثر سرطان غدي في الفم ، ناتج عـن عملية اقتلاع ضرس فاشلة . لكن الموجع أكثر من الفراق ، الإهمال الذي طاله حتى أثناء استشفائه: سرير رديء قاصم للظهر. تواظب على زيارته كل ليلة البراغيث والصراصير المتطفلة ، وممرض مضجر. هل هذا هو التكريم الذي استحقه الطائر الأزرق ؟.
عجيب أمر وزارة الثقافة بالمغرب ، تهمل ولا تمهل . وتنتظر موت المبدع لتعقبه بالتكريم. يجب أن لا ننسى أن : الأمة العظيمة هي الأمة التي تحتفي بميراثها الخلاق ، احتفائها بمستقبلها الواعد ، وتتطلع بمخيلتها الإبداعية إلى الزمن الآتي  تطلعها إلى ذاكرتها. رحمة الله على المبدع والثاشر محمد خير الدين

من مؤلفات محمد خير الدين :

_ ديوان شعر : غثيان أسود..  عن دار نشر لندنية في السنة 1964 وهو أول مؤلف ينشر له.

_  رواية: أغادير.. عن دار سوي الفرنسية للنشر في السنة 1967

_ رواية شعرية: الجسد السالب… عن دار سوي الفرنسية للنشر في سنة  1961

_ ديوان شعر : شمس عنكبوتية…. سنة   ١٩٦٩

_ ديوان شعري : أنا المر

_ رواية النباش.

_ديوان شعري : انبعاث الورود البرية.

_  أسطورة وحياة أغونشيش.

_ صدر له بعد وفاته «نصب تذكاري» و« كان ثمة زوجان سعيدان».

وأعمال أ خرى

 بقلم  : إبراهيم الطاهر ي   *

طالب باحث

مقالات ذات صلة

‫2 تعليقات

  1. حياك الله صديقي وحبيبي ابراهيم الطاهري …
    كان محمد خير الدين رحمه الله يناضل بالكلمة حتى وفته المنية في عمر يناهز 1995 بعد صراع طويل مع المرض , وكان يمثل نموذج الانسان المناضل بكل ما تحمله الكلمة من معنى وهذا ما جعل سارتر يعترف بهذه الشخصية الامازيغية التي ترفض كل انواع الاستلاب ( استلاب الثقافة والهوية والانتماء …) كانت البداية التي تعرفت فيها على هذه الشخصية في التانية باك حينما كان أحد مؤلفاته من بين المؤلفات الموضوعة في المنهج الدراسي وكنت صراحة اعجبت بهذه الشحصية تحديدا انبهاري بالاسلوب الجميل الذي يكتب به واستعانته بكلمات امازيغية ( تاشلحيث ) في أكثر من موضع …

  2. حياك الله صديقي وحبيبي ابراهيم الطاهري …
    كان محمد خير الدين رحمه الله يناضل بالكلمة حتى وفته المنيةسنة 1995… بعد صراع طويل مع المرض , وكان يمثل نموذج الانسان المناضل بكل ما تحمله الكلمة من معنى وهذا ما جعل سارتر يعترف بهذه الشخصية الامازيغية التي ترفض كل انواع الاستلاب ( استلاب الثقافة والهوية والانتماء …) كانت البداية التي تعرفت فيها على هذه الشخصية في التانية باك حينما كان أحد مؤلفاته من بين المؤلفات الموضوعة في المنهج الدراسي وكنت صراحة اعجبت بهذه الشحصية تحديدا انبهاري بالاسلوب الجميل الذي يكتب به واستعانته بكلمات امازيغية ( تاشلحيث ) في أكثر من موضع …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

إغلاق