سوس العالمة وسوس التاجرة

أثرياء المغرب

لا يكاد يخلو شارع أو زقاق في مختلف مدن المغرب من دكان أو متجر يملكه شخص ينحدر من سوس، إنهم رواد التجارة صغرى والمتوسطة، الذين اكتشفوا، بخبرتهم وصبرهم، أن السماء يمكن أن تمطر ذهبا في المغرب، ومنذ منتصف حقبة الحماية كان السوسيون يحولون لقب سوس العالمة إلى لقب جديد: سوس التاجرة، التي ستتحول إلى سوس الغنية، وحدث أن وافق تحضير هذا الملف فترة عطلة سواسة السنوية، إنها فترة عيد الأضحى، التي تحولت عبر التاريخ من فترة جلب الأرباح، التي يراكمها التاجر طول السنة من مدن شمال المغرب، إلى فترة عقد الصفقات الداخلية، والمقصود بهذا المفهوم صفقات لا تتم إلا بين السوسي وابن قبيلته. في تفراوت خلال هذه الفترة بالضبط تقام مهرجانات حقيقية للسوسيين المقيمين بمدن الدار البيضاء وطنجة وفاس والرباط، يتباهون بمكاسبهم، ويطلعون على جديد الأسواق، ويبنون الفيلات في أعالي الجبال، ويقودون سيارات فارهة، ويبالغون في الإنفاق تكذيبا لمقولة «السوسي البخيل».

تجمع دراسات ميدانية قام بها طلبة شعبة الاقتصاد بجامعة القاضي عياض بمراكش على أن البدايات الأولى للنشاط التجاري القادم من الأطلس الصغير، كانت إبان الاستعمار الفرنسي، الذي عرف في الجنوب مقاومة كبرى من طرف سواسة، لكن في الشمال كان هناك تعامل تجاري بين السوسيين والاستعمار، حيث أقام السوسيون الأوائل، دكاكينهم، بالشوارع الكبرى، وبالأحياء الفقيرة، ولم يفرقوا بين زبون وغيره، لكن أكبر المستفيدين فيما بعد، أي في ثمانينات وتسعينات القرن الماضي، كانوا أولئك الذين أقاموا متاجرهم بالقرب من الأحياء التي يقطن بها المعمرون، حيث وسعوا من مجالات أنشطتهم، فتحول التاجر السوسي إلى تاجر بالجملة، ومنهم من اقتحم بعض الصناعات الغذائية، إلى أن جاءت لحظة الحسم في منتصف الخمسينيات، أي بعيد الاستقلال، حيث قام أغلب التجار والملاكين الفرنسيين والإسبان واليهود ببيع ممتلكاتهم، ولم يكن المشترون غير السوسيين، الذين حالفهم الحظ وتخوفات المستثمرين/المعمرين من انتقام المواطنين المغاربة، فقاموا بالتفاوض معهم واقتنوا منهم أملاكهم بأثمنة بخسة أحيانا.

المال وحده لم يكن يكفي، إذ أصبح التنافس مع النخب الفاسية هما كبيرا لدى سواسة، الذين توجهوا إلى الاستثمار في المعرفة لحماية المال، فتوجه السوسيون إلى الدراسة في الخارج والمدارس الكبرى والمعاهد العليا، فضلا عن جانب نفسي شكل حافزا لذلك، هو تغيير النظرة الاستصغارية التي ينظر بها الآخر إليهم، كجامعي أموال ومكتنزين.

قصة السوسيين والثروة، على الرغم من قصر مدتها الزمنية، قصة نجاح مدهشة، وقد علق على ذلك محمد جامع، أستاذ التاريخ بجامعة القاضي عياض بمراكش في حوار صحافي سابق، حيث يقول: «في أقل من ثلاثة أرباع قرن، صار أبناء الدواوير السوسية البعيدة مدراء ومسيرين لثروات وشركات عائلية من الطراز الأول. لقد انتقلوا من دور التاجر الوسيط إلى دور المنتج والمستورد والموزع. وبفضل قدراتهم على التكيف، أصبح أبناء تجار التقسيط القدامى، اليوم، عمداء لمدن كبرى، ووزراء في قطاعات حيوية وسفراء».

اليوم هناك عدد كبير من الأثرياء ذوي الأصل السوسي، متنفذون في المجالات الحيوية الكبرى للبلاد سياسيا واقتصاديا واجتماعيا. لم يعد الصراع بين الفاسيين والسوسيين صراعا حضاريا فقط بل تجاوزه إلى الصراع حول مواقع النفوذ.

اليوم 24

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. Les soussis deviennent des piliers de l’économie du Maroc après avoir étaient les savants religieux depuis des siècles .Ils représentent une grande majorité des riches au Maroc , ils affrontent les fassis politiquement , on les trouve installer dans le monde entier

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

إغلاق