السياسة و البعد الآخر

السياسة

يستعمل الإنسان اللغة للتعبير عن مكنونات عقله و صدره،عن أفكاره ومشاعره،حيث يزاوج بين الحقيقة و المجاز،و لا تخلو لغة من هذه الثنائية العجيبة.

ويعيش الإنسان في هذا الكون الرائع المحتضن لبعدين، بعد حقيقي واقعي محسوس و مشهود،و بعد آخر نسميه نحن عالم الغيب،و ينعته غيرنا بالميتافيزيقا.

مصطلح الجن و الشياطين و العفاريت ينتمي لذلك البعد الآخر، يتقاسمون معنا الزمان و المكان ومع ذلك لا نتمكن من رؤيتهم بل نستشعر وجودهم بما قد يتركوه من  آثار تدل عليهم، وفعلهم  في الغالب ينعت بأقبح النعوت و أشنع الأوصاف.

إن توظيف القاموس المجازي (الشياطين و العفاريت) في الخطاب السياسي لا يخلو من دلالات،وكأن المتعمق في السرداب السياسي ينتقل من العالم المشهود عالم الإنسان و الحيوان إلى عالم الشياطين و العفاريت،وهناك في ذلك العالم السفلي المظلم،تسود لغة أخرى لا نفهمها،و طقوس خاصة نحن نجهلها،و علاقات و ولاءات،وترانيم و تعويذات تفرضها شريعة المعبد المقدس.

إن الانتقال من العالم المشهود إلى ذلك البعد السياسي الآخر رهين بالقابلية و الاستعداد،و الخضوع للتدريب و الإعداد،هي مراحل تقطع من طرف المريد،للظفر بذلك المقام (السياسي البعيد) ،في مدارج السالكين و بصحبة شر الناسكين،لكشف ما يخفى عنا من أسرار و لنيل قبس من وهج النيران بدل الأنوار.

و بعد قطع الصلة بالماضي (الحقير)،يصبح العبد المختار الذي رشحته الأقدار و الذي صنع على عين من يختار أهلا للعمل السياسي و الفاعل الأساسي ،في كنس الأعتاب و تزيين المحراب،يتقلد المناصب و يتقلب في أبهى المراكب و ألذ المآكل و المشارب.

ترسم له الحدود فلا يتجاوزها،و تفرض عليه العهود فلا ينقضها،يسبح الليل و النهار لمانح النعمة و دافع النقمة،و يزداد مقامه رفعة كلما ازداد ذلة و خضوعا هذا هو البعد الآخر للسياسة في دار المخزن، كما أشير إليه في مجاز من وقفوا بالأعتاب،أو لمحوا بعض أسرارها من النوافذ و الأبواب.

لذلك لا نرجو خيرا من سياسة بعيدة عن الحقيقة و الواقع ، مزيفة للحقائق و الوقائع.

لن يكون للسياسة معنى إن ظلت حبيسة المنتديات الخاصة، بعيدة عن الشعب ،لايباركها الشعب،ولا يصنعها الشعب.

هشام الكرطيط

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

اترك رداً على العشري العربي إلغاء الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

إغلاق