معتقل بسجن تيزنيت يصرخ: “نحن هنا يا رئيس الحكومة”

محمد-تامك-معتقل-بالسجن-المحلي-لتزنيت

من عالم منسي يحضر الحديث عنه، ومن داخل الرعب والإهانة والموت البطيء تجلى واقع (حشومة الكلام عنه) إلى حكومة حصلت على ثقة مطلقة نتج عنها تفويض طوعي للسلطة وما هذه إلا ومضة من داخل ظلام دامس.

وقد يعتبرها البعض هلوسة سجين دفنه القضاء في غياهب الجب، وقد يظن أنها اضطرابات نفسية نتيجة لقلق دائم يلاحق الدفين في مقابر الأحياء أو يلبسها شكلا من أشكال الفشل وإلقاء اللوم على الآخرين، لكن الأكيد أنه إحساس بالعيش داخل أعماق أبار الإهمال أمام الغزو العولمي وجحافله والذي لا يجعل من الأخلاق ولا من الإنسانية مقومات أساسية للتعامل مع الغير، وإدراك لوجوده في عالم برغماتي تجاوز الشعار الإيديولوجي بل وتجاوز مفهوم الأسرة والتكافل والمواطنة، وقد استوعب أن الحياة لعبة إستراتيجية بامتياز، حيت لا يلعب فيها إلا الكبار أهل المصالح وهو ممن لا طاقة له على لعبهم ويكون بذلك أداة وموضوع لمخططاتهم، مما رسخ في ذهنه أمام تعتيم مطبق وصمت قاتل أنه زائدة دودية يجب بترها! عفوا ربما مخلوق بشري!

في خضم هذا التفويض الطوعي للسلطة، وتبعا لذلك راسلنا سيادتكم ما من مرة وما كلامنا إلا صرخة في واد، لنكشف أن الهدف الأسمى من كل هذا اللغط هو إيجاد منطقة موطئ قدم داخل العمل السياسي الرسمي لا أقل ولا أكثر.

ولقد تجاهل الجميع الأمر واستبشرت الأغلبية خيرا حتى المختلفين مع تصوركم حيت تقول ماجدة دامو “صعود العدالة والتنمية لايقلقني بقدر ما يفرحني لأنها أول ‘طابو’ سياسي نجحنا في تكسيره”، مجلة الغد.

وبعد أن تمخض الجبل ولدت لنا حكومة غريبة المكونات والأطوار”الإسلامي، الإسلامي الاشتراكي، المحافظ، المخزني”، هكذا تأكدنا فعلا بأن هناك استثناء مغربي قد يجرنا إلى فيافي الماضي التليد، أمام واقع نقل الآخرين إلى الحاضر وشرع أبوابهم على المستقبل.

هنا يحضرني المثل الصحراوي ‘الفرسن والكلوا ما يتكناو فالشدك”، أي أن العظم الطويل والكلية (المصفاة الطبيعية) لا يمكن أن يجتمعا في فم واحد، فعجبا كيف اجتمع كل هؤلاء في حكومة تسير مصالح دولة بكاملها؟

تعايش الجميع مع هذا المولود الجديد رغم ولادته القيصرية داخل بهرجة سميتموها بالديمقراطية، وانتظرنا المستحيل من أجل تقديم الإجابات المنتظرة والمقنعة لنجد أنها حكومة ترتدي ردائيين ولا تملك إجابات رداء إسلامي في جانب النية والتبرير ورداء ليبرالي في جانب التفكير والتدبير، بل ومنذ الولادة لا نرى إلا خطابا دعائيا بجميع تمظهراته أدى إلى إحداث تأثير مقصود على سلوكات ومواقف وأفعال الفئات الخاضعة وتحكم في السلوك الاجتماعي عبر خلق جو من الإغراء والاستهواء بصرف النظر عن موضوعية المهمة والرسالة (محاربة الفساد) التي جئتم من أجلها على حد تعبيركم، وهكذا أتضح لنا أنها عامل تنفيسي أمام الضغط لإخراجه من مساره الحقيقي وتسييجه، وبعد ذلك تجلى من خلال هذا الزخم الإعلامي الذي وضعتموه تحت تصرفكم حيت سالت أقلام لأجل نقاش تافه كربطة العنق وطريقة جلستكم (وضع الرجل على الركبة) إضافة إلى الكلام عن التماسيح والعفاريت وجلسات البرلمان الشهرية التي اعتبرها البعض جلسات للكوميديا.

والمثير للضحك هو دخول ما يسمونها بالمعارضة في اللعبة حيث تناقش أمور من قبيل حركات وجوه بعض الوزراء ومسألة الوقت … ويفتح جدال داخل قبة البرلمان يذكرنا بالسلك الابتدائي “علاش غوت علي؟ ما تهز إديك”. وفي الأخير انتهى الأمر بالسب والشتم واستقالات مبنية على نزوات أشخاص (ماحملتوش) وهكذا انتهى الجزء الأول من دراما تركية بعنوان “حقنة تنفيسية وتسييجية” وربما يأتي الجزء الثاني وربما … يأتي الجزء الثاني وربما ..

نعم وسط هذه الدراما المصطنعة والاتهامات الفارغة والملاسنة العشوائية ضاعت مصالح الأغلبية (الفقراء) واكتوت بنار الزيادات المشفوعة بابتسامة وزير مبررا الأمر “والو” وفي الجهة الأخرى أناس يتسابقون على المناصب مستغلين ضعف ذاكرتنا ضعيفة ومرض النسيان المتفشي في أوساطنا فبالأمس أناس يتهمون واليوم يستوزرون، أليس من حقهم متابعة من خدشهم، أو أن المسألة لعبة كما سبق قول ذلك فيها تبادل الأدوار؟

وبعيدا عن هذه الصورة نحمل معنا المفتاح الكبير لندخل إلى عالم أبشع مما يتصوره العقل البشري والحكومة مشتغلة في ربطة العنق و … فهناك وراء هذه الأسوار أناس مثلكم دفنوا لسبب واحد أنهم يحملون جنسية هذا الوطن ويقول فولتير: “الذين يقظون بإعدام أشخاص لا جرم لهم سوى أنهم لا يفكرون مثلهم ولا يشاطرونهم أفكارهم. هو فعل تعسفي …”.

ويقول في نفس السياق الكاتب الإغريقي ايسوب “نحن نقوم بشنق صغار اللصوص ونعين كبارهم في المناصب الرسمية”. إضافة إلى ذنب أخر وهو الفقر لأن الأغنياء لامو قع لهم داخل السجون المغربية (الهيبة، وقهيوة …) وذلك من محاسن القضاء، ولكن لا نبتعد كثيرا ففي السجناء منهم احترفوا الجريمة لكن ليس الجميع.

لذا نقول أنكم إذا تبين أننا زوائد دودية مضرة للمجتمع فرجاء أعدمونا هكذا تنعموا بالحياة ويرتاح الجميع من إجرامنا وتعود الميزانية إلى خزينة الدولة بدل أن تدخل الجيوب والحسابات البنكية باسمنا، وهكذا تبكي عوائلنا ليوم واحد وتشفى من المعانات والإهانة والاستغلال البشع من طرف الموظفين المرضى أمام أبواب السجون لسنوات وسنوات.

أما إن كان لكم رأي آخر، فلا بد من تفعيل القانون ولا التبجح أمام القنوات “الإدماج، التكوين المهني …” وهو الأمر الذي كذبته الأعداد الهائلة لحالة العود، فلا بد من دراسة واضحة المعالم من أجل إدماج حقيقي لا استغلال جنسي وحصيلة علمية معقولة لا شواهد فارغة المحتوى. ووضع مسطرة للعفو فمنذ ولادة هذه الحكومة ارتفعت نسبة السجناء ولم يستفد إلا منهم في حالة سراح ويستثنى المرضى وأصحاب الشواهد (الجامعية، التكوين المهني) ومن تجاوزوا ثلثي العقوبة والذين دخلوا أول مرة، فلماذا يحرم كل هؤلاء مع العلم لديكم دستور جديد وخصوصا فصله 49.

أما الأوضاع المشينة فعيب أن نجترها كل مرة وأنتم تعرفونها ولكن تتغاضون عن النبش فيها كالاستغلال المادي (القفة) والتعذيب الجسدي والنفسي ونحن نعرف أنه محرم دوليا ففي الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في مادته 2 “عدم الخضوع للتعذيب أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو الحاطة بالكرامة” والأفظع من ذلك هو التمييز على الفئة المنبوذة (الحق العام) تعتبر كفئة العبيد في أثينا “مجرد آلة للاستغلال” زمن أفلاطون وأتباعه.

وهكذا يزداد الحقد والضغينة وهم يرون التمييز الممنهج لكن وكما يقال “العين بصيرة واليد قصيرة” (الجهل + الفقر + العبودية + التبعية) فمتى ينتقل هؤلاء من الرعية sujet إلى المواطنة titoyen كما قال مونتسكيو. إضافة أن المادة 51 من قانون 2398 “لايجوز أن يكون هناك تمييز في المعاملة بين المعتقلين بسبب العرق أو اللون أو الجنس أو الجنسية أو اللغة أو الدين أو الرأي أو المركز الاجتماعي”.

يا رئيس الحكومة ويا حكومة انتبهوا إلى فئة من هذا المجتمع تموت كل دقيقة أمام إهمالكم وتنكر المجتمع وصمت إعلامي بدعوى عدم فضح الوطن، وإن استمر الجزء الثاني من هذه الدراما ننتظر فلسفة وسياسة حقيقية بعيدة عن النوايا لكي تحتضن مقومات الدولة بدل إقامتها على جسر الأوهام وضياع أناس نتيجة شقشقة الفقهاء، ولو كان هناك مرض يجب معالجة أسبابه لا تركه ينتشر لكي لا نقع في الحفرة التي وقع فيها التعليم وعليكم توعية المجتمع بدوره في إدماج السجين وحماية أسرته من التأثير السلبي.

وفي النهاية أقول قول الشاعر أحمد مطر:

أنا لا أكتب أشعاري

لكي أحظى بتصفيق وأنجو من صفير

أو لكي أنسج للعاري ثيابا من حرير

إنما أكتب أشعاري … دفاعا عن ضميري.

*السجن المحلي تزنيت … مشاهد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

إغلاق